People march during a demonstration marking one year since the start of nation-wide protests in Beirut, Lebanon October 17, 2020. REUTERS/Emma Freiha.
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

كيف يمكن لأوروبا مساعدة لبنان على التغلب على انهياره الاقتصادي الداخلي

إقتصاد لبنان المترنح بحاجة ماسّة للمساعدات الخارجية؛ إلاّ أن الطبقة السياسية، المسؤولة إلى حد كبير عن خلق المشاكل التي تعاني منها البلاد، تقاوم إجراء التغييرات الضرورية. ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يستمر في قصر مساعداته على الإغاثة الإنسانية إلى أن يجري السياسيون اللبنانيون إصلاحات تعود بالفائدة على جميع المواطنين، وليس على قلة قليلة تحظى بالامتيازات.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ما الجديد؟ شكل الانفجار المدمر الذي حدث في ميناء بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 العلامة الأحدث، ولو أنها الأكثر إثارة للرعب، على الإفلاس السياسي لنخب لبنان الحاكمة. لقد دفع هؤلاء السياسيون البلاد إلى حافة الدمار، مع انهيار القطاع المصرفي وانتشار كوفيد–19 بوتيرة أسرع.

ما أهمية ذلك؟ لا تستطيع الجهات المانحة الداعمة للبنان القبول بأن يصبح البلد دولة فاشلة. إلا أن دعواتهم للنخب اللبنانية لإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة لم تلقَ آذاناً صاغية، الأمر الذي سرع وتيرة الانحدار. كما أن الحملة الأميركية في ممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران، والتي تستهدف حزب الله أيضاً، تزيد من تعقيد المسائل.

ما الذي ينبغي فعله؟ رغم أن أوروبا تجعل تمويل مشاريع تنموية كبرى مشروطاً بإجراء إصلاحات كبيرة اقترحها صندوق النقد الدولي، فإن عليها أن توسع نطاق مساعداتها الإنسانية بالنظر إلى أن ثمة حاجة ماسّة إليها، والسعي لتحسين الشفافية ومشاركة المجتمع المدني في مشاريعها وحث الولايات المتحدة على تخفيف ضغوطها على حزب الله وفي الوقت نفسه محاولة إشراك الحزب في الأجندة الإصلاحية.

الملخص التنفيذي

قد يكون النظام السياسي في لبنان بعد الحرب مشرف على نهايته مع حدوث انفجار اقتصادي داخلي في البلاد. إلا أن نخبه لم تتمكن بعد من وضع خطة للخروج من أزمة خلقتها هي نفسها على مدى سنوات. لقد أدت إخفاقاتها إلى نشوء احتجاجات شعبية، عنيفة أحياناً، استمرت رغم جائحة كوفيد–19. المانحون الرئيسيون للبنان، خصوصاً في أوروبا، حريصون على تعافي البلاد، ويعرفون سجلها السيء في إجراء الإصلاحات، ولذلك جعلوا أي مساعدة تتجاوز المساعدات الإنسانية مشروطة. فقد أبلغ المانحون الحكومة والنخب الحاكمة بأن عليها أولاً التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإجراء إصلاحات طبقاً لالتزامات سابقة. وبعثت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب انفجار 4 آب/أغسطس في ميناء بيروت، والذي دمر جزءاً من المدينة وتسبب في وفاة أكثر من مئتي شخص، رسالة مماثلة. ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أن تلتزم بهذا الخط، والاتفاق على استئناف المساعدات غير الإنسانية فقط بعد أن تشرع السلطات اللبنانية في إجراء إصلاحات حقيقية تعود بالفائدة على البلاد بأسرها، وليس على قلة قليلة تحظى بالامتيازات.

في وجه الانهيار الاقتصادي، يبحث القادة السياسيون للبنان عن وسائل لردم الفجوة المالية التي تزداد اتساعاً في البلاد، بما في ذلك السعي للحصول على الدعم من المؤسسات المالية الدولية، لكنهم يقاومون اتخاذ الخطوات التي تطلبها تلك المؤسسات بالمقابل. وكل زعيم يحمّل المسؤولية لزعيم آخر عن الوقوف في وجه الإصلاحات التي تعطي الأولوية للمصلحة العامة لا للمصالح السياسية والخاصة. لا ترغب الجهات المانحة في دفع مبالغ إضافية من المال بعد الخسائر التي حصلت، خصوصاً كون هذه الخسائر ناتجة من عمليات احتيال عملاقة لإثراء النخب. وقد أصرت المؤسسات المالية الدولية والحكومات الأجنبية الحريصة على مصلحة واستقرار لبنان على إجراء إصلاحات هيكلية وقطاعية على الأقل منذ عام 2018، وجعلتها شروطاً مسبقة لتقديم المزيد من المساعدات المالية.

لقد تباطأ الزعماء اللبنانيون وماطلوا، ربما على أمل أن يُظهر المانحون مرونة انطلاقاً من مصلحتهم الطاغية في استقرار البلاد في منطقة مضطربة. أظهرت الاحتجاجات التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي أشعلت شرارتها محاولة أخرى لتأمين الموارد من جيوب السكان (بفرض رسم على استخدام تطبيق واتساب للمكالمات الصوتية)، أن هذه الحيلة لم تنجح، بل إنها أسقطت حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري. بعد كانون الثاني/يناير 2020، لم تحقق الحكومة التي حلت محلها برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب تقدماً في إجراء الإصلاحات أيضاً. الانفجار المأساوي الذي حدث في 4 آب/أغسطس في ميناء بيروت، والذي حدث فيما يبدو نتيجة سنوات من الإهمال وانعدام الكفاءة الرسميين، أجبر حكومته على الاستقالة.

اليوم، لم يتغير الكثير. فقد أطلق ماكرون مبادرة تَعِد بإيجاد مخرج من الأزمة، لكن الزعماء اللبنانيين لم يتخذوا حتى الآن خطوات ملموسة. سارع رئيس الوزراء المكلف حديثاً، مصطفى أديب، إلى الاستقالة بعد إخفاقه في تشكيل الحكومة؛ ووصلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى طريق مسدود؛ وتستمر الاحتجاجات، حيث يدعو الناشطون إلى درجة أكبر من الشفافية وشكل أفضل من الحوكمة، ويطالبون الداعمين الدوليين للبنان بالامتناع عن إنقاذ نخب البلاد دون أن يضمنوا أولاً إجراء إصلاحات حقيقية. ويواجه سعد الحريري، الذي كلف مرة أخرى بتشكيل الحكومة في 22 تشرين الأول/أكتوبر، مهاماً لا تقل صعوبة عن تلك التي دفعت أديب إلى الاستقالة.

لقد كان الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية منذ وقت طويل من بين الجهات المانحة الرئيسية للبنان. فقد استضافت فرنسا، على وجه الخصوص، عدة مؤتمرات للمانحين، وتعهد الرئيس ماكرون بحشد دعم إضافي. ولوقت طويل، كانت تلك المساعدات تقدم دون شروط أو بشروط محدودة، رغم الثغرات الواضحة في حوكمة البلاد ونموذجها الاقتصادي. وبدا أن الاستقرار قصير الأمد كان الهم الرئيسي. يبدو أن هذا قد تغير، حيث ربط المانحون مؤخراً القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية في البلاد بإجراء إصلاحات قطاعية وهيكلية رئيسية، ومن ثم أحجموا عن تقديم الأموال بالنظر إلى فشل الحكومة اللبنانية في تحسين ممارساتها.

تُفاقم الأزمة الحملة الأميركية بممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران والتي أثرت على حليف إيران اللبناني، حزب الله. وفي حين يقر المسؤولون الأميركيون المطالب الأوروبية بإجراء إصلاحات، فإنهم يتهمون حزب الله بعرقلة التقدم ويعترضون على قرار ماكرون بدعوة حزب الله، مع الأحزاب الأخرى، للمشاركة في الجهد الإصلاحي. بدلاً من ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على حلفاء الحزب في محاولة لعزله. ويقول المسؤولون الأوروبيون إن هذه السياسة الأميركية تعيق جهودهم لإخراج لبنان من الحفرة التي يقبع فيها.

إلا أن هؤلاء المانحين يواجهون مأزقاً الآن؛ ففي حين أنهم لا يريدون للبلاد أن تتحول إلى دولة فاشلة تولّد أزمة إنسانية حادة، فإنهم لا يرغبون أيضاً بإنقاذ نخب يشير سجلها إلى أنها قادرة على دفع لبنان إلى الهاوية. ولذلك فإنهم يحاولون معايرة سياستهم في تقديم المساعدات بالاستجابة إلى الاحتياجات الحادة قصيرة الأجل من خلال المساعدات الإنسانية العاجلة بينما يُبقون على مشروعاتهم للبنية التحتية الأساسية ويربطون التعهدات بتقديم مساعدات أكبر بإطلاق إصلاحات حقيقية.

يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه المقاربة ستؤتي ثمارها؛ فقدرة المانحين الأوروبيين على مساعدة لبنان على مواجهة تحدياته بعيدة المدى ترتبط بشكل بنيوي بإرادة زعمائه السياسيين على المبادرة. ولذلك فمن غير المتوقع أن يتغير الكثير، على المدى القصير والمتوسط. لكن رغم ذلك، يمكن للمانحين استخدام اللحظة الراهنة لتوضيح رسائلهم وطريقة تفكيرهم، وأيضاً لوضع معايير الحد الأدنى لتقديم المساعدات في المستقبل.

وينبغي أن يؤكدوا على أن موقفهم الدبلوماسي ليس جزءاً من الحملة الأميركية في ممارسة "أقصى درجات الضغط" ضد إيران ولا تتم بالتنسيق معها، وأن مطالبهم بإجراء إصلاحات جوهرية تهدف إلى إعادة لبنان إلى مساره الصحيح، ولا تهدف إلى قصقصة أجنحة أي حزب سياسي بعينه. كما ينبغي أن يؤكدوا على أنه لا يمكن لأي زعيم سياسي لبناني أن يتوقع كرتاً أبيض لمجرد أنه متحالف مع الغرب، وأنه ينبغي على الطبقة السياسية برمتها أن تقدم تنازلات. وانسجاماً مع سياستهم العالمية، ينبغي أن يصروا على وجود معايير حد أدنى للشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة اللبنانية وفي الجهاز القضائي اللبناني.

أخيراً، ينبغي أن يحددوا المعايير المرجعية المرتبطة بالمراحل المختلفة للمشاريع التي يعتزمون دعمها، بما في ذلك تحديد شكل تتابع الإصلاحات في القطاعات المعنية، وبذل الجهود لتحسين الشفافية وإمكانية وصول الجمهور إلى العمليات التي يقومون بها في مراقبة وتقييم المشاريع؛ وإيجاد السبل لتحقيق اندماج أفضل للخبرات المتوفرة لدى المجتمع المدني في صنع القرار بشأن المشاريع الممولة خارجياً؛ واستكشاف سبل دعم إجراء حوار بين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للتمكن بشكل مشترك من معالجة العقبات المؤسساتية التي تعترض الإصلاحات.

بيروت/بروكسل، 320 تشرين الأول/أكتوبر 2020  

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.