Op-Ed / Middle East & North Africa 2 minutes

قصة محتملة

في أواخر حزيران/يونيو، أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريراً بشأن الهجوم بغاز الأعصاب الذي شُن في نيسان/أبريل 2017 على بلدة خان شيخون وسط سورية، وهي منطقة مدنية تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة لم يكن يدور فيها أي قتال حينذاك. قتل جراء الهجوم ما يقدر بمئة شخص، وعانى مئتا شخص جراء التعرض الحاد للغاز. أظهر تقرير المنظمة بشكل مقنع أن المادة المستخدمة في الهجوم كانت غاز السارين. لم يكن بوسع المحققين، الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى الموقع، أن يحددوا الطريقة التي انتشر فيها الغاز، لكنهم استنتجوا أن "من المرجح أن يكون سبب التعرض انطلاق الغاز من بقعة محيطة بحفرة في الطريق، تقع قرب صوامع الحبوب في الجزء الشمالي من البلدة،" حيث قال شهود عيان إن طائرة أسقطت قنبلة.

شُكلت بعثة تقصي الحقائق من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قلّص نطاقها بشكل محدد بحيث "لا يشمل مهمة تحميل المسؤولية عن الاستخدام المزعوم لـ "[الأسلحة الكيميائية]". رغم ذلك فإن التقرير حمل المسؤولية ضمناً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الطرف الوحيد في الصراع السوري القادر على شن هجوم جوي بغاز الأعصاب.

إن أقوى داعم دولي للأسد هو روسيا، التي أرسلت قواتها إلى سورية في أيلول/سبتمبر 2015 لتعزيز قوة نظامه المترنح. خلال ساعات من الهجوم، اعترفت وزارة الدفاع الروسية بأنه كان هناك ضربة جوية سورية على خان شيخون، لكنها زعمت أن الهجوم حدث في وقت لاحق من ذلك اليوم، وفي جزء آخر من البلدة، واستهدف منشأة كان مقاتلو المعارضة فيها يصنّعون ويخزنون قذائف تحوي غازاً ساماً لاستخدامه في العراق. طبقاً للرواية الروسية، فإن الانفجار أدى إلى انطلاق هذه الغازات في الجو، ما أحدث أثراً مهلكاً.

روسيا عضو في معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية وقد دمرت كل مخزونها من هذه الأسلحة تقريباً، وليس لها مصلحة واضحة في انتشار الأسلحة الكيميائية؛ كما أنها دعمت الجهود السابقة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الرامية إلى تدمير مخزون نظام الأسد منها في أعقاب هجوم بغاز السارين في غوطة دمشق في آب/أغسطس 2013 أدى إلى مقتل المئات. ولذلك فإن الحكومة الروسية، وكي تتجنب الإحراج، كانت بحاجة ملحة لتفسير بديل للهجوم بغاز السارين على خان شيخون، خصوصاً أن من المؤكد أنها كانت تعرف أن الحكومة السورية هي المسؤولة عنه؛ حيث إن المستشارين العسكريين الروس كانوا موجودين في القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرة التي تحمل الأسلحة الكيميائية.

إلا أن الرواية التي خرج بها الروس ليست منطقية. حتى لو كانت منشأة كالتي وصفوها موجودة، فإنها ما كانت لتخزّن غاز السارين نفسه بل مكوناته الكيميائية، التي تخلط فقط عند وضعها في قذيفة. إن ضربة جوية على مثل تلك المنشأة ما كانت لتطلق غاز السارين بل كانت ستدمر مكوناته الكيميائية. رغم ذلك، سرعان ما وجدت هذه الرواية داعمين غربيين. وقد شمل هؤلاء بعض أنصار ترامب الميالين لنظريات المؤامرة (خصوصاً فيما يتعلق بهجوم الغوطة)، مثل منظمة "محترفو المخابرات السابقون من أجل التعقل"، وهي منظمة تضم محللين استخباراتيين أمريكيين سابقين، وموقع "إنفوورز" الذي يديره أليكس جونز. هؤلاء الداعمون إما حمّلوا المسؤولية للقاعدة وغيرها من مجموعات المعارضة المسلحة أو زعموا أن الهجوم كان عملية مولّها جورج سوروس بغية تحميل مسؤوليتها لنظام الأسد. وقد أعيد إرسال هذه التغريدات على نطاق واسع إثر نشرها في نيسان/أبريل. آخرون ممن اقتنعوا برواية موسكو قد يكونوا فعلوا ذلك تعاطفاً مع نظام الأسد أو لمجرد معارضة التقارير الدولية. وشمل هؤلاء ثيودور بوستول، وهو بروفسور في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا يتمتع بخبرة بتكنولوجيا الصواريخ لكن ليس بالأسلحة الكيميائية، إضافة إلى ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين أمريكيين مستقلين حائزين على جوائز هم: سيمور هيرش، وغاريث بورتر، وروبرت باري. هيرش، على سبيل المثال، قدم تفسيراً برّأ النظام رغم أنه لم يتبع الرواية الروسية للأحداث. تمكنت موسكو من حشد مثل هذه الآراء في محاولتها حماية الأسد من الإدانة الدولية، حيث شملت جهودها استخدام الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن يدين الهجوم.

لم تكن هذه المرة الأولى التي ينجو فيها بلد من الإدانة بعد نشر حليف قوي لمعلومات مضللة حول هجوم كيميائي. في 16 آذار/مارس 1988، وعند نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، أطلقت القوات الجوية العراقية هجوماً بغاز الأعصاب على بلدة حلبجة الكردية العراقية وقتلت ما يقدر بخمسة آلاف مدني وجرحت آلاف غيرهم. (الرقم الدقيق غير معروف). كانت البلدة قد سقطت بأيدي القوات الإيرانية، بمساعدة قوات البشمركة الكردية المعارضة، قبل يومين. وقد شكل العمل الفظيع الذي ارتكب في حلبجة الحدث الأسوأ في سلسلة من عدة هجمات كيميائية على مدى السنوات الخمس التي سبقته شنها النظام العراقي ضد القوات الإيرانية، ومقاتلي البشمركة، والمدنيين الأكراد في إيران والعراق على حد سواء.

شكل الهجوم مصدراً محتملاً للإحراج للولايات المتحدة. رغم أن الحكومة الأمريكية كانت قد ظلت حيادية في المراحل الأولى للحرب الإيرانية - العراقية، في أعقاب الثورة الإسلامية وأزمة الرهائن الأمريكيين فإنها لم تكن تتحمل احتمال انتصار إيران في الحرب واكتساب المزيد من النفوذ في الخليج. قدمت إدارة ريغان المساعدة العسكرية لنظام صدام، بما في ذلك تمكينه من الوصول إلى صور الأقمار الصناعية التي سمحت للقوات العراقية باستهداف المواقع الإيرانية بشكل أكثر دقة، خصوصاً بهجمات كيميائية. كان يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية العسكرية من خلال وكالة الاستخبارات الدفاعية.

بعد أيام من هجوم حلبجة، روّجت وزارة الخارجية الأمريكية، بتوجيهات من وكالة المخابرات الدفاعية، رواية مفادها أن الهجوم شُن جزئياً على الأقل من قبل إيران. الحكومة العراقية، التي كانت قد ظلت صامتة في السابق، عبرت عن دعمها للرواية الأمريكية للأحداث. ولجعل روايتها أكثر إقناعاً، أشارت وكالة الاستخبارات الدفاعية إلى خبراء دوليين مفترضين كانوا قد فحصوا بعض الأدلة، وبشكل أساسي انطباعات على الأرض في حلبجة وصور للقتلى. ضم هؤلاء المحققون المستقلون رئيسين محليين لقسمين في أطباء بلا حدود (وكلاهما طبيبان) وعالم عقاقير طبية بلجيكي. لم يكن لدى أي من هؤلاء خبرة معروفة بالمواد المستخدمة في الحرب الكيميائية، وكان تشخيصهم خاطئاً.

رغم أن تقريراً صدر لاحقاً عن فريق من خبراء الأسلحة الكيميائية تابع للأمم المتحدة لم يحمّل المسؤولية لأي طرف، فإن من الواضح أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان يعرف أن العراقيين هم من شن الهجوم الكيميائي على حلبجة. أحد المحققين أخبرني بذلك في مقابلة بعد تقاعده، وحتى في ذلك الوقت يذكر أنهم ناقشوا النتائج التي توصلوا إليها في ردهات الأمم المتحدة. رغم ذلك، فإن مجلس الأمن أصدر قراراً في أيار/مايو 1988 أدان استخدام الأسلحة الكيميائية وحث "كلا الطرفين" على الإحجام عن استخدامها في المستقبل. أبحاثي الخاصة تظهر أن الزعم بوجود تواطؤ إيراني في الهجوم تمت فبركته من قبل وكالة الاستخبارات الدفاعية للسماح للعراق بالانتصار في المعارك التي من شأنها إنهاء الحرب. لم أجد حتى الآن أدلة قوية – في الوثائق الاستخباراتية الأمريكية التي نزعت عنها السرية أو في أماكن أخرى – تفيد بأن إيران استخدمت الأسلحة الكيميائية في أي وقت من الأوقات خلال الحرب. هذه الوثائق والمصادر لا تدع مجالاً للشك، من ناحية أخرى، بأن العراق استخدم تلك الأسلحة بشكل متكرر.

في حالتي حلبجة وخان شيخون، لم يكن الطرف الذي ارتكب الفعل هو الذي حبك رواية التغطية عليه بل داعمه الدولي؛ ومن ثم كان النظام المرتكب يكرر الرواية ويضيف إليها قدراً من الغموض الذي يحجب ما كان قد حدث فعلاً. تقرير الأمم المتحدة بشأن حلبجة وتقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن خان شيخون، وكلاهما يستندان إلى تحقيقات أجراها خبراء أسلحة كيميائية، يثيران الإعجاب من حيث صرامتهما العلمية وحياديتهما الواضحة، لكنهما يثيران الاحباط من حيث عدم قدرتهما على تحديد الطرف المرتكب، بسبب التفويض المقيد الذي فرض على مؤلفيهما. لكن إذا كان المرء يعرف قدرات الأطراف المتحاربة، فإنه يمكن أن يستنتج من هذه التقارير الطرف الذي يعتقد واضعو التقريرين بأنه مسؤول عنها. غير أن عدم تحديد التقريرين صراحة لهوية المرتكبين تركهما عرضة للاستغلال والتلاعب السياسي.

رغم أن الغاز السام مصنف على أنه أحد أسلحة الدمار الشامل فقد حُظر بشكل أساسي على أنه أحد الأدوات المروعة للحرب. إنه أكثر فعالية في إثارة الرعب والهلع الجماعي مما هو فعال في قتل أعداد كبيرة من الناس، مع وجود استثناءات بارزة. غاز الأعصاب خبيث على نحو خاص؛ فهو سائل عديم اللون والطعم والرائحة يتبخر عند إطلاقه ويخنق ضحاياه. استخدام غاز الخردل، وكذلك المادتين الكيميائيتين الكلور والفوسجين، على نطاق واسع في خنادق الحرب العالمية الأولى، والمنظر المروع للضحايا والمعاناة الرهيبة للناجين من غاز الخردل، حتى بعد عدة سنوات، هي التي دفعت القوى المنتصرة في الحرب لفرض حظر على استخدام الأسلحة الكيميائية وتضمين ذلك في بروتوكول جنيف لعام 1925. ونتيجة لذلك، جزئياً، فإن الأسلحة الكيميائية لم تستخدم في ميادين الحرب العالمية الثانية.

الجيوش تعتبر الأسلحة الكيميائية عاملاً محتملاً "لمضاعفة القوة"؛ فباستخدام الغاز على المواقع الخلفية وخطوط الإمداد، يمكن للجيوش أن تقلص عدد الجنود الذين تحتاجهم في المعركة. خلال الحرب الإيرانية - العراقية، أصبح العراق أول بلد منذ الحرب العالمية الأولى ينتهك على نطاق واسع ما كان قد أصبح اتفاقاً قوياً ضد استخدامها (ثمة مزاعم بأن مصر استخدمت الغاز السام في بعض الحالات خلال حربها في اليمن في ستينيات القرن العشرين)، جزئياً لأن إيران كان لديها عدد أكبر من السكان تستطيع أن تعتمد عليه في تجنيد أعداد جديدة؛ كما كان العراق أول بلد يستخدم غاز الأعصاب والأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين.

رداً على هذا التطور المرعب، الذي طرح احتمال الانتشار في الشرق الأوسط الهش وما وراءه، عقد المجتمع الدولي مؤتمراً في العام 1989 لحظر الأسلحة الكيميائية. أفضت هذه المبادرة – التي تلقت دعماً قوياً من الولايات المتحدة – إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 1993 وإلى تأسيس منظمة تشرف على تنفيذها، هي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. المنظمة حظرت ليس فقط استخدام الأسلحة الكيميائية، بل تصنيعها، وتخزينها والاتجار بها. أصبحت سورية إحدى الدول الموقعة على المعاهدة تحت الضغط الدولي بعد إطلاقها للهجوم الكيميائي على الغوطة في آب/أغسطس 2013، إلا أنها استمرت باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وبشكل أساسي مادة الكلور الأقل فتكاً.

بالنسبة للنظام السوري، فإن الأسلحة الكيميائية ساعدته في معالجة مشكلة تراجع عديد جيشه. بالنسبة لنظام وجد نفسه عرضة لضغوط كبيرة ولتهديد مجموعات المعارضة المسلحة، فإن استخدام مثل ذلك السلاح الرهيب لا يعني شيئاً، خصوصاً وأنه كان قد استخدم أصلاً العديد من الوسائل العنيفة وغير التمييزية الأخرى، مثل البراميل المتفجرة. أخفقت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في جهودها لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية وموادها الأولية بشكل كامل في الفترة 2013-2014 لأن النظام كان قد خبأ بعضها. وقد شكل هجوم خان شيخون الدليل الأكثر دراماتيكية على هذا.

لا بد وأن روسيا كانت قد قررت بأن دعمها للنظام السوري يفوق تصميمها على الالتزام بحظر شامل على الأسلحة الكيميائية (اتخذت إدارة ريغان قراراً مشابهاً خلال الحرب الإيرانية - العراقية). في حين أن هذا مبعث قلق عميق، فإن ليس من غير المعقول الاعتقاد بأن موسكو قد تنضم إلى الجهود الدولية لإعادة فرض الحظر حالما تصبح واثقة من تأمين بقاء النظام السوري – تماماً كما فعلت الولايات المتحدة بعد العام 1988.

أولئك الذين يدافعون عن سورية يصرون على أن نظام الأسد لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن هجوم خان شيخون لأنه لم يكن لديه مبرر للقيام به؛ ففي مطلع نيسان/أبريل، كان قد فرض على المعارضة المسلحة أن تكون في موقع دفاعي وبدا أقوى مما كان منذ بعض الوقت. لكن كل طرف في الصراع السوري لديه الدافع لاستخدام أي سلاح متوافر لضمان بقائه. وهذا يشمل النظام، الذي أُضعف بشكل كبير رغم استمراره في ممارساته الوحشية والذي كان يواجه، حين حدوث هجوم خان شيخون، مشاكل كبيرة تتعلق بالمعنويات والتجنيد بالنظر إلى أنه كان يقاتل على عدة جبهات.

علاوة على ذلك، ثمة سجل موثق جيداً عن استخدامه الغازات السامة، بما في ذلك غاز السارين، منذ أواخر العام 2012؛ ويُزعم أنه استمر باستخدام الكلور منذ نيسان/أبريل، عندما دفعته الاحتجاجات على هجوم خان شيخون إلى التوقف عن استخدام السارين. يستمر الأسد، كما فعل صدام حسين في ثمانينيات القرن العشرين، باختبار ما يستطيع أن ينجو بفعله دون حساب. وعندما يواجه بأدلة على ارتكابه أفعالاً مروعة، يتراجع مؤقتاً لكنه يستأنف ذلك مع حرصه على عدم إثارة جلبة كبيرة. في المحصلة، فإن مدة تركيز الانتباه العالمي لا تستمر سوى بضعة أيام، هذا إذا استمرت. لقد حاول الأسد تحويل المسؤولية عن الهجمات المنفردة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استخدم أيضاً الأسلحة الكيميائية، وبشكل أساسي الكلور وغاز الخردل، في سورية والعراق على حد سواء، لكن ما كان باستطاعته أن ينفذ الهجمات بغاز السارين على الغوطة أو على خان شيخون.

وكما في حالة تقارير الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن الادعاءات باستخدام سورية للأسلحة الكيميائية، فإن روسيا رفضت تقرير المنظمة بشأن خان شيخون، متهمة التقرير بأنه استند إلى بيانات مشكوك بها من مصادر مشبوهة. في هذه الأثناء، فإن لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سورية، والتي كانت قد نشرت تقريراً حول تحقيق منفصل في آب/أغسطس، استنتجت أن هجوم خان شيخون كانت قد نفذته القوات الجوية السورية. في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي شكلها مجلس الأمن في العام 2015، تقريراً حول الهجوم يؤكد بشكل قاطع أن النظام السوري هو مرتكب ذلك الهجوم. لكن حتى الأدلة المقنعة بمسؤولية النظام من غير المحتمل أن تقنع روسيا، الدولة العضو في الأمم المتحدة وفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بتغيير موقفها، بالنظر إلى الرهانات التي ينطوي عليها ذلك؛ فهي لا تستطيع التخلي عن النظام الذي تدعمه في حين تبقى نتيجة الحرب غير مؤكدة.

إن تقصي الحقائق بشكل مستقل أمر ضروري لجهود ما بعد الحرب من أجل إعادة ترسيخ اتفاق دولي ضد استخدام الأسلحة الكيميائية. وتستمر المنظمات غير المنحازة التي تمتلك الخبرة التقنية اللازمة مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ولجان الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية في عملها الشاق لترسيخ هذه الحقائق. بل إنها تلتقي بشهود العيان (بما في ذلك الضحايا والطواقم الطبية)، وتجمع وتحلل الأدلة (بما في ذلك العينات البيولوجية – الطبية من جثث البشر والحيوانات، والعينات البيئية، وبقايا الذخائر والمفجرات)، وتدرس صور الأقمار الصناعية، وسجلات الطيران، وغيرها من المواد الأصلية. لا يمكن إتمام هذا العمل بسرعة. في عصر يمكن لـ "الأخبار الزائفة" أن تصوغ بشكل حاسم فهم الناس لجرائم الحرب، مثل الهجمات الكيميائية، من الجوهري أن يقدم المجتمع الدولي دعمه لتحقيقاتها وأن يعارض الروايات المضللة عمداً التي تحجب مرتكبي الهجمات الكيميائية.

إن الفعل الغريزي بالتشكيك بالروايات الرسمية أمر صحي ومثير للإعجاب، وقد تبين أن القوى العالمية حجبت الحقائق حول أحداث مأساوية. غير أن توسيع هذا التشكك ليشمل العمل الذي تقوم به منظمات دولية مستقلة تتمتع بخبرة مؤكدة أمر خطير. هذه الخبرة، وسمعة هذه المنظمات هي التي ستكون الأساس لردع أي استخدام للأسلحة الكيميائية في المستقبل. قد تقنع تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة روسيا بأنها، ورغم حجبها لحقيقة هجوم خان شيخون، لها مصلحة عليا، كما كان الحال مع الولايات المتحدة من قبل، في فرض الحظر على الأسلحة الكيميائية إذا شعرت، وعندما تشعر، بأن النظام السوري في أمان.

20 تشرين الثاني/نوفمبر 2017

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.