Dust storm in Ahvaz, Khuzestan's capital city on 20 January 2018. Mehdi Pedramkhoo / MEHR NEWS AGENCY licensed under CC BY 4.0
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

خوزستان الإيرانية: عطش واضطرابات

غالباً ما تتكشف الاضطرابات في إيران على نحو متشابه. تقر الحكومة في البداية بالهواجس الشعبية، لكنها تلجأ من ثَمَّ إلى القمع، الأمر الذي يحضّر الأرضية لمواجهة جديدة بين الدولة والمجتمع. ويتضح هذا النمط في أجلى صوره في المحافظات المحيطية، مثل خوزستان، حيث تتمثل المظالم الملحّة في شح المياه.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ما الجديد؟ تعد خوزستان إحدى أكثر المحافظات الإيرانية غنى بالموارد وخامس أكبر محافظة من حيث عدد السكان، نموذجاً مصغراً لأخطر مشاكل البلاد. فهي تعاني من تدهور بيئي حاد، وحرمان اقتصادي واستياء شعبي–سياسي. من شبه المؤكد أن شح المياه الذي أشعل الاحتجاجات في منتصف عام 2021 سيحدث مرة أخرى ويمكن أن يتسبب بإحداث قلاقل مشابهة.

ما أهمية ذلك؟ تعتمد الحكومة على القسر والإكراه والعلاجات قصيرة الأجل لقمع الاحتجاجات، إلا إن هذه المقاربة تُفاقِم الأزمة الكامنة تحتها، الأمر الذي يرشح المنطقة لمزيد من الاضطرابات.

ما الذي ينبغي فعله؟ يمكن لزيادة انخراط الأقليات الإثنية في الحكومة المحلية وتعزيز المبادرات البيئية النشطة أن تساعد على تخفيف حدة بعض أعمق مشاكل خوزستان جذوراً. إلّا أن معالجة هذه المشاكل سيتطلب إحداث تغييرات سياسية وبنيوية جوهرية يبدو أن الجمهورية الإسلامية غير مستعدة للقيام بها.

الملخص التنفيذي

كانت الاحتجاجات المعادية للحكومة التي اندلعت في سائر أنحاء إيران في أيلول/سبتمبر 2022 أحدث حلقة في سلسلة مألوفة على نحو مرعب؛ فعندما تبلغ حدة الاستياء درجة الغليان وتتحول إلى اضطرابات، تعترف الجمهورية الإسلامية على نحو غامض بالهواجس الشعبية، وربما توحي باتخاذ إجراءات لتهدئتها، لكنها تمضي من ثم إلى قمع التعبير عنها بالقوة الوحشية وتعود إلى أساليبها القديمة. وبعدم معالجة المظالم الكامنة تحت سطح الاحتجاجات، فإنها تحضِّر المشهد لمواجهة دموية أخرى بين الدولة والمجتمع. وتبدو هذه الحلقة في أوضح صورها في المحافظات التي عانت تاريخياً من سوء إدارة العاصمة ومن مشكلات اجتماعية وبيئية محلية. في إحدى هذه المحافظات، وهي خوزستان في الجنوب الغربي، حدثت الاضطرابات على نحو متكرر، بما في ذلك كجزء من حركة شملت البلاد بأسرها في أواخر عام 2022. إلّا أن الجهود الحكومية الضئيلة والمجزأة للاستجابة لا يمكن أن تُصلح الضرر الذي أحدثته عقود من سوء الإدارة، والتي فاقمتها عوامل مثل العقوبات والتغير المناخي. تتجاوز التغييرات الضرورية ما أثبتت طهران قدرتها أو رغبتها على القيام به، الأمر الذي يؤكد على الحاجة إلى إعادة نظر جوهرية في الكيفية التي تحكم فيها.

خلال حرب الثمان سنوات مع العراق في ثمانينيات القرن العشرين، كانت خوزستان ميدان معركة رئيسي، إذ كانت ترمز إلى القيم التي سعت الجمهورية الإسلامية الناشئة إلى ترسيخها، والمتمثلة في المقاومة، والتصميم والتضحية. غير أن جراح ذلك العقد المرير تُركت لتتقيح، ليس من قبل عدو أجنبي، بل من قبل حكومات إيرانية متعاقبة، استغلت ثروة المحافظة من الموارد البشرية دون أن تستثمر بكفاءة في تنميتها، وهي حقيقة يعيها سكانها جيداً وعلى نحو صارخ. ونتيجة لذلك، تجد في خوزستان اليوم خطوط التماس الأكثر إثارة للقلق واضحة بصورة جليّة. ففي حين أن المحافظة إحدى أغنى المحافظات الإيرانية بالموارد، فإنها تعاني من التدهور البيئي، الذي يقلص إمداداتها المائية، التي تَسبَّبَ شُحها في خروج احتجاجات في منتصف عام 2021؛ واستياء اجتماعي–سياسي يعكس رفضاً واسعاً، يتضح في جميع أنحاء البلاد، لإدارة الدولة والفساد؛ وانعدام اليقين الاقتصادي والبطالة؛ والاستياء الذي يتخذ طابعاً إثنياً في أوساط العدد الكبير من سكانها العرب؛ والأكثر من ذلك، الإهمال الحكومي رغم التعهدات المتكررة بمعالجة المشاكل المتنامية.

تكشف دراسة هذه التحديات على المستوى المناطقي صعوبة معالجتها. ثمة خطوات مفيدة يمكن للحكومة اتخاذها في خوزستان، ولا سيما لرفع المظالم السياسية وتخفيف حدة مشكلة شح المياه. يمكن لتمكين المسؤولين المحليين، والإصغاء لآراء السكان العرب، الذين يشعرون في أحسن الأحوال أنهم ليسوا على قائمة أولويات طهران وفي أسوئها يشكّون بوجود تمييز متعمد ضدهم، أن يساعد في نزع فتيل الاضطرابات المتفاعلة. ويمكن لنماذج أكثر استدامة في الإدارة الزراعية، وتوزيع أكثر ذكاءً للموارد ومنح درجة أكبر من الاهتمام للمشاكل الناجمة عن التدهور البيئي أن تخفف من أثر الأحوال المعيشية التي تزداد سوءاً.

رغم ذلك، فإن هذه الخطوات لن تتعدى كونها علاجاً جزئياً، حتى لو أحرزت تحولاً ضرورياً عن السياسات قصيرة الأجل التي تتسم بردود الفعل والتي ميزت مقاربة الدولة للتخطيط حتى الآن. يوجد في خوزستان محركات محلية دافعة للاستياء، تجلت في احتجاجات عام 2021 بشأن المياه، وتعكس أيضاً المظالم السائدة في مناطق أخرى من البلاد، كما تبيَّن خلال الاضطرابات التي شملت جميع أنحاء البلاد في أواخر عام 2022. تُظهر هذه التجربة أنه يتعين على السياسات معالجة المصادر الوطنية والمحلية للاستياء. لقد دفع تكرار حدوث الاضطرابات الشعبية حتى بعض عتاة المدافعين عن الجمهورية الإسلامية إلى التحذير من خطر الاستمرار على المسار الذي يبني الاستقرار السياسي على إقصاء الجميع باستثناء الأكثر ولاءً. وتظهر الأحداث في محافظات إيران الهامشية أن مثل ذلك الإقصاء لا يفعل شيئاً يذكر سوى إدامة عملية سوء الإدارة، التي تحضّر بدورها الأرضية لاضطرابات أكثر تواتراً، الأمر الذي يجعل إيران عرضة للأمراض نفسها التي تسببت في حدوث حرب أهلية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

الأهواز/واشنطن/بروكسل، 21 آب/أغسطس 2023

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.