A handout photograph by the office of the Iranian vice-president.
Interim Iranian President Mohammad Mokhber chairs a cabinet meeting after Ebrahim Raisi's death. Office of the Iranian Vice-President
Q&A / Middle East & North Africa 6 minutes

إيران: موت رئيس

أودى تحطُّم مروحية في 15 أيار/مايو بحياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي كان يعتقد كثيرون أنه سيكون الخليفة المحتمل للقائد الأعلى للثورة الإسلامية. في هذه الجولة من الأسئلة والأجوبة، ينظر خبيرا مجموعة الأزمات علي واعظ ونيسان رافاتي في تداعيات موت رئيسي المفاجئ.

[ترجمة من الإنكليزية]

ما الذي حدث؟

في 19 أيار/مايو، تحطمت مروحية تحمل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في محافظة أذربيجان الشرقية الواقعة شمال غرب البلاد. لقي رئيسي، البالغ من العمر ثلاثة وستين عاماً، مصرعه مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وستة آخرين، بمن فيهم محافظ أذربيجان الشرقية وإمام صلاة الجمعة في تبريز. وكانوا عائدين من زيارة إلى حدود أذربيجان، حيث كانوا قد دشنوا سداً برفقة الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف. تشير التقارير الأولية إلى أن الطقس السيء ربما كان عاملاً في وقوع الحادث؛ كما أنه أعاق جهود البحث والإنقاذ في المنطقة النائية التي سقطت فيها المروحية. من غير المفاجئ أن تنتشر شائعات بوجود أيادٍ خفية خلف الحادث. لكن حتى الآن، لم تغذِّ طهران مثل هذه التكهنات؛ بل إنها لم تقدم دليلاً على هذا الاحتمال ولا أشارت بإصبع الاتهام إلى أي من خصومها في الإقليم أو خارجه.

ما هي التداعيات على الحياة السياسية الداخلية؟

رئيسي هو أول رئيس إيراني يتوفى وهو في منصبه منذ عام 1981، عندما قُتل محمد علي رجائي في تفجير بعد أقل من شهر على استلامه مهام منصبه. جرت انتخابات تلت مقتله أوصلت علي خامنئي - القائد الأعلى للثورة الإسلامية الآن – إلى سدة الرئاسة. طبقاً للمادة 131 من دستور الجمهورية الإسلامية، فإنه في حال وفاة أو عجز الرئيس، فإن نائب الرئيس – في هذه الحالة محمد مُخبر – يشغل المنصب بالوكالة لمدة لا تتجاوز خمسين يوماً، تُنظَّم خلالها انتخابات رئاسية بالتعاون مع رئيس البرلمان ورئيس الجهاز القضائي. في 20 أيار/مايو، حددت الحكومة الثامن والعشرين من حزيران/يونيو موعداً للانتخابات، يسبقها تسجيل المرشحين، ودراسة أهلية المتنافسين من قبل مجلس صيانة الدستور (وهو هيئة رقابية غير منتخبة)، وحددت مدة للقيام بالحملة الانتخابية.

تولى رئيسي مهام منصبه في عام 2021، وكان متوقعاً على نطاق واسع أن يسعى لإعادة انتخابه في عام 2025. تُعدُّ الانتخابات الوطنية الثلاث التي جرت في السنوات الأربع الماضية – مرَّتان للانتخابات البرلمانية ومرة للانتخابات الرئاسية – مؤشراً على التداعيات السياسية المحتملة لوفاته، وإن كان من المستحيل الوصول إلى تنبؤات محددة.

أولاً، كانت إحدى السمات البارزة في جميع هذه الانتخابات الأخيرة ضيق مجال التنافس السياسي بحيث ينحصر تقريباً في المعسكر المحافظ، حيث تقتصر المنافسات على نحو شبه كامل على مجموعات أفرادها من الملتزمين المتشددين بالأيديولوجيا المحورية للجمهورية الإسلامية. لقد أصبحت الهيئات الرقابية أكثر ميلاً لقمع مرشحي المجموعات التي تكون إصلاحية أو معتدلة في الطيف السياسي للجمهورية الإسلامية، بينما قيدت قوات الأمن الأنشطة السياسية لهذه الشخصيات. وقد أقصي حتى بعض المحافظين الأكثر انتقاداً لتوجهات الحكومة عن النظام الانتخابي الذي لا يتسامح إلا مع الشخصيات الأكثر ولاءً. ونتيجة لذلك، فقد عزز المتشددون سلطتهم في جميع الأجهزة المنتخبة والمعيَّنة في النظام. وما من علامة تذكر على أنهم يميلون إلى تعريض هذه السيطرة للخطر بالسماح بإجراء انتخابات تنافسية فعلاً، ولا سيما وأن القائد الأعلى يحثُّ باستمرار على النقاء العقائدي.

ثانياً، لم تمنع هذه التحركات الإقصائية قيام معارك أخوية في المعسكر المحافظ تتجلى على شكل ألعاب لتقاذف المسؤولية عن المشاكل الاقتصادية وغير الاقتصادية في البلاد. بعض الخلافات أيديولوجية، لكن كثيراً منها يستند إلى صراع فصائلي على السلطة. لقد وبَّخ خامنئي المحافظين بسبب خلافاتهم الداخلية، لكن الانقسامات يمكن أن تتعمق وتصبح أكثر بروزاً مع الفراغ غير المتوقع على رأس الحكومة بعد وفاة رئيسي.

.يمكن أن تتعمق الانقسامات وتصبح أكثر بروزاً مع الفراغ غير المتوقع على رأس الحكومة

ثالثاً، في الوقت نفسه الذي أصبحت فيه العملية الانتخابية تمريناً أجوف على نحو متزايد، تراجعت المشاركة في الانتخابات، حيث لم تشارك غالبية المقترعين في الانتخابات التشريعية في عامي 2020 و2024 وكذلك في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها رئيسي في عام 2021. تُبرز هذه التجليات لعدم الرضا الشعبي، إضافة إلى الذكريات الحديثة والتي ما تزال حية للاحتجاجات التي امتدت إلى جميع أنحاء البلاد وقُمعت على نحو عنيف في عام 2022، الفجوة التي تزداد اتساعاً بين الدولة والمجتمع وسط قيود اجتماعية وسياسية خانقة تضاف إلى الضائقة الاقتصادية المستمرة. في حين من المرجح أن تسعى الحكومة إلى استغلال موت رئيسي للدعوة إلى الوحدة الوطنية، فإن اهتمام الناس أو انخراطهم في الانتخابات لإيجاد خليفة له، يمكن ألّا يكون ذا قيمة تذكر، حيث لا يرى كثير من الإيرانيين إمكانية حدوث تغيير ذي معنى من خلال صندوق الاقتراع.

ما هو إرث رئيسي في السياسة الخارجية، وما الذي يعنيه موته لعلاقات إيران الخارجية؟

لقد كانت سلطة رئيسي في مسائل السياسة الخارجية مقيدة بمراكز القوى المتنافسة في الدولة وسلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها القائد الأعلى، والتي قيدت نفوذه لكنها لم تجنبه فترة حافلة بالمشاكل في منصبه الرفيع. تمثَّل الإرث الرئيسي لفترته الرئاسية المبتورة في تردي علاقات إيران مع الغرب، بسبب فشل جهود التفاوض على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وتحالف طهران الذي يزداد وثوقاً بموسكو خلال حرب روسيا في أوكرانيا. في الشرق الأوسط، تتفاوت جردة الحساب، مع تحسن العلاقات مع الجيران العرب الخليجيين في الوقت الذي تَعمَّق فيه التنافس مع إسرائيل وحلفائها. وتجلَّى الوضع الأخير بشكل سافر في منتصف نيسان/أبريل، عندما شنت إيران هجوماً جريئاً بالمسيرات والصواريخ على إسرائيل، ردت عليه إسرائيل بضربات استهدفت قادة إيرانيين رفيعين في سورية ومواقع نووية حساسة داخل إيران. ويتمثل الإرث الآخر في التدهور الاقتصادي. فرغم الخطوات الرامية إلى العثور على مخرج من خلال زيادة الاعتماد على القدرات الداخلية، إضافة إلى العلاقات الأدفأ مع الصين والعضوية في منظمات تعددية مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس الموسعة، فإن الصعوبات الاقتصادية في البلاد استمرت. وقد اتخذت هذه الصعوبات شكل ارتفاع معدلات التضخم وضعف العملة. وتشير حالات الفساد المتكررة إلى وجود نخرٍ كبير في قلب النظام. لطالما ادعت الحكومة أن "اقتصاد المقاومة" يمكن أن يزدهر رغم العقوبات الغربية المتزايدة المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، وسياستها الإقليمية وقمعها الداخلي، لكن استمرار المشاكل الاقتصادية يُظهر أن لهذه الإستراتيجية حدوداً.

.تمثل الإرث الأهم لفترة رئيسي الرئاسية المبتورة في تردي علاقات إيران مع الغرب

أما بالنسبة لوزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان، فإن إنجازاته الدبلوماسية كانت قليلة جداً. فقد أجريت المفاوضات النووية ذات الرهانات المرتفعة والمحادثات غير المباشرة في عُمان مع مسؤولين أميركيين كباراً من قبل نائبه، علي باقري كنِّي، الذي عُيِّن الآن وزيراً للخارجية بالوكالة ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الخليفة المحتمل لأمير عبد اللهيان. أما الانخراط مع الجيران الشرق أوسطيين، (بما في ذلك المحادثات التي أفضت إلى استعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بوساطة صينية، فكانت مدفوعة على نحو رئيسي من قبل المسؤولين الأمنيين).

ليس من الواضح مباشرة أن وفاة هاتين الشخصيتين سيكون لها تداعيات رئيسية على العلاقات الخارجية لإيران، ومن المرجح أن يستمر انعدام اليقين على الأقل إلى أن يُعرف من سيحل محلهما. حتى ذلك الحين، من المرجح أن يواجه الرئيس ووزير الخارجية الجديدان القيود البنيوية نفسها على قدرتهما على صياغة سياسات متباينة. بالفعل، فعلى مدى الأسابيع القليلة القادمة، سيستمر تركيز إيران على الشؤون الداخلية خلال مرحلة اختيارها لرئيسها التاسع (إضافة إلى تثبيت رئيس البرلمان ورئيس مجلس خبراء القيادة، الذي نناقشه أدناه). رغم ذلك، تبقى التوترات الإقليمية مرتفعة، وأيضاً احتمال نشوء أزمة خارجية من شأنها أن تجرَّ طهران إليها. تستمر الأعمال القتالية على مستوى منخفض بين إيران وشركاءها في "محور المقاومة"، من جهة، والولايات المتحدة، وإسرائيل وحلفائهما، من جهة أخرى. وكما أكد تبادل الضربات الخطير مع إسرائيل، فإن الأحداث تنطوي دائماً على إمكانية التصعيد، رغم أنه لا يبدو أن أياً من الطرفين يريد لذلك أن يحدث في الوقت الحاضر – وفي حين غيَّر الجانبان قواعد لعبهما، لم يتم اختبار القواعد الجديدة. من المرجح أن يستأنف خليفتا رئيسي وأمير عبد اللهيان جهودهما لإصلاح العلاقات مع الجيران العرب في الخليج، بينما تبرز نقطة احتكاك رئيسية على الجبهة النووية بالنظر إلى أن اجتماعاً قادماً لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيعيد استمرار تعنت طهران بشأن الوصول والشفافية إلى جدول أعمال الوكالة.

ما الذي يعنيه موت رئيسي بالنسبة لخلافة القائد الأعلى؟

لقد كانت الأولوية الطاغية للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة عدم ترك شيء للصدفة في التحضير لموت أرفع مسؤول فيها، آية الله علي خامنئي، الذي بلغ الخامسة والثمانين من عمره. كان صعود رئيسي إلى الرئاسة وعلاقته القديمة بخامنئي قد جعلتا الناس ينظرون إليه على نطاق واسع على أنه أحد المرشحين الأوفر حظاً في خلافة القائد الأعلى، ومن ثم يصبح ثالث شاغل لأقوى منصب في النظام منذ ثورة عام 1979. من خلال ترقية شخصيات تُعدُّ مؤمنة حقيقية بالجمهورية الإسلامية، وإقصاء أولئك الذين لديهم وجهات نظر معارضة ولو على نحو طفيف، كانت القيادة الإيرانية تهدف إلى تعزيز قوة الامتثال في قمة الهرم استعداداً لتغيير الحرس على نحو سلس.

يأتي موت رئيسي في الوقت الذي يمر فيه مجلس خبراء القيادة، وهو المؤسسة التي تضم 88 عضواً والمكلفة باختيار القائد الأعلى، بمرحلة انتقالية حساسة بعد انتخابات آذار/مارس التشريعية. إذ شهدت هذه الانتخابات عدم المصادقة على ترشح قادة مخضرمين في النظام مثل حسن روحاني، الذي سبق رئيسي في منصب الرئيس، إضافة إلى الهزيمة الانتخابية لمحمد صادق آملي–لاريجاني، أحد أفراد الحلقة الداخلية والرئيس السابق للجهاز القضائي. في البيئة السياسية غير الشفافة في إيران لم يكن أحد يعرف، باستثناء حفنة من الشخصيات في القمة، مدى احتمال أن يصبح رئيسي القائد الأعلى القادم. لكن إذا كان هو من كان المتوقَّع حصوله على المنصب، فإن وفاته تضع علامة استفهام كبيرة على عملية الخلافة.

Contributors

Senior Adviser to the President & Project Director, Iran
AliVaez
Senior Analyst, Iran

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.