تركيا بين زعامة المنطقة والمسألة الكردية
تركيا بين زعامة المنطقة والمسألة الكردية
Op-Ed / Europe & Central Asia 3 minutes

تركيا بين زعامة المنطقة والمسألة الكردية

يعتقد البعض في تركيا وفي العالم العربيأن عدم قدرة تركيا على حل القضية الكردية يقف عائقاً في وجه طموحاتها بتوليالزعامة الإقليمية. كما يسعى بعض الإسرائيليين إلى تصوير الصراع في تركيا ضد حزبالعمال الكردستاني على أنه شبيه بالصراع الإسرائيلي مع المتطرفين الفلسطينيين  
وفيما لا شك فيه أن هناك أزمة ثقة عميقة بين الطرفين حيث أن حقوق الأكرادلا تزال مسلوبة، إلا أن هناك بعض التقارب تم إحرازه ويمكن أن يكون أساساً لشقالطريق نحو حل للقضية الكردية. فقد صوّت أكثر من نصف الأكراد لحزب العدالةوالتنمية، وكانت القيادات التركية والكردية قريبة من التوصل إلى صفقة كان من شأنهاحل هذه القضية. إلا أن المشكلة تكمن في كيفية إقناع شعوبهما بالتخلي عن سنوات منالدعاية والتحامل وإلى تبني حل وسط. وإلا فإن القضية الكردية ستبقى شوكة في خاصرةتركيا، ولن تتمكن من تبوؤ أي قيادة إقليمية من دون ترتيب بيتها الداخلي أولاً.ولكون تركيا الطرف الأقوى في هذا الصراع، ينبغي عليها المبادرة لإيجاد البيئةالمواتية لإنهاء القتال

 إن مشروع ما يسمى «الانفتاح الكردي»، وهو مبادرة الانفتاح الديموقراطي علىالأكراد التي أطلقها رجب طيب أردوغان قبل عامين والتي رمت إلى منح المزيد منالحقوق للأكراد لحل القضية الكردية، بدأ بالترنح عائداً إلى المربع الأول محطماًبذلك الآمال بنهاية تفاوضية لحركة حزب العمال الكردستاني التي دخلت عامها 27. فمنذانتخابات تموز (يوليو) الماضي، أسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 115 شخصاً، وزادالاحتقان العرقي في البلاد من تصلب المواقف، فقد بدأت الحكومة التركية بقصف قواعدحزب العمال الكردستاني كما بدأ الكلام عن توغل بري وشيك في شمال العراق. ويتعينعلى حزب العمال الكردستاني وضع حد للموجة الجديدة من الهجمات الإرهابية وأعمالالتمرد المسلحة التي يشنها، فيما يتعين على السلطات التركية السيطرة على التصعيدبهدف وقف جميع أعمال العنف، فالحروب الدموية التي وسمت تسعينيات القرن العشرين لمتحل المشكلة الكردية ولن تحلها الآن، إذ يتمثل الحل الوحيد في المضي قدماً على دربالإصلاحات الدستورية واللغوية والقانونية التي قطعت شوطاً متواضعاً على صعيد منحالأكراد حقوقاً متساوية. ونظراً للتصعيد الأخير، فإن العودة إلى دينامية إيجابيةستتطلب قفزة كبيرة من الخيال الاستراتيجي من الجانبين، حيث لا ينبغي أن يدع أي منالجانين نفسه تنجرف نحو الصراع المسلح الذي حصد حياة أكثر من 30000 إنسان منذ عام1984

 وعلى رغم ثغرات وعيوب سياسة «الانفتاح الكردي» واضمحلالها منذ أواخر عام2009، إلا أنها تبقى تمثل أفضل الطرق للمضي قدماً، فهي تعتبر أكثر محاولات تركياصدقية لتضميد الجروح المفتوحة إثر الصراع بين الدولة وشعبها الناطق بالكرديةالمقدر بما يراوح بين 15 و20 في المئة من تعداد السكان في تركيا، وتضمنت إطلاققناة ناطقة باللغة الكردية وتشريع إلقاء الخطابات السياسية باللغة الكرديةوالإشراف على وضع حد لكافة عمليات التعذيب تقريباً في السجون. كما أدت خطوات أخرىإلى منح شعور جديد من الحرية في المدن الكردية، وإلى إجراء محادثات رفيعة المستوىمع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبدالله أوجلان، واستعداد أكبر في وسائلالإعلام للتطرق لمواضيع كانت محرمة في ما مضى، كإحداث تغيير في ظروف اعتقال أوجلانبعد التوصل إلى اتفاق سلام كامل أو ترتيبات فيديرالية في الجنوب الشرقي ذيالغالبية الكردية

 إن الخطوط العريضة للتوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء التمرد، الذي كان أيضاًموضعاً للتفاوض، تتمثل في وضع حد للقتال، وتتمثل أيضاً في الإصلاحات القانونيةالكبرى، وقبول العفو العام وموافقة أكراد تركيا على العمل في إطار النظام القانونيالتركي؛ وتبقى هذه الخطوط العريضة أفضل نتيجة لكلا الطرفين في المدى الطويل. لكن،رافق قيام السلطات بهذه الإصلاحات اعتقال مئات القوميين الأكراد الأتراك، بمن فيذلك العديد من رؤساء البلديات المنتخبين وغيرهم من أعضاء الحزب القومي، حيث يقفأكثر من 3000 من الناشطين القوميين وراء القضبان، ويتم إدانة الكثير منهم على أنهم«إرهابيون» لتعبيرهم عن آرائهم سلمياً، وهو حق تضمنه قوانين سنّها حزب العدالةوالتنمية بنفسه. من ناحية أخرى، أخفق ما كان يتوجب أن يكون لب «الانفتاحالديموقراطي» الذي تمثل بمنح عفو غير مسبوق لحزب العمال الكردستاني في تشرين الأول(أكتوبر) 2009 عندما قام القوميون الأكراد باستغلاله لأغراض دعائية .

 حصد نهج الانفتاح النسبي الذي قاده حزب العدالة والتنمية نصف أصوات أكرادتركيا، ولكن، على الحكومة أن تذهب إلى أبعد من ذلك وأن تشرك النصف الآخر وممثليهصناع القرار في الحركة القومية الكردية، وينبغي أن توفر الحكومة أيضاً خياراتتعليمية تحترم اللغة الكردية وثقافتها، وأن تعيد سن القوانين التي تزج القوميين فيالسجن ظلماً على أنهم إرهابيون

 يتعين على زعماء حزب العدالة والتنمية أيضاً إقناع الرأي العام في تركيابأن إجراء الإصلاحات أمر ضروري لحل المسألة الكردية، وأن منح الحقوق ليس تنازلاً،وبأن ذلك لن يقوض مكانة اللغة التركية بصفتها اللغة الرسمية في البلاد، وبأن جميعأكراد تركيا تقريباً يرغبون في الاستمرار في العيش في تركيا موحدة. ويجب علىالحكومة أن تطلب من قوات الأمن القبض على متمردي حزب العمال الكردستاني وليسقتلهم، كما ينبغي إشراك الحزب القومي الكردي المرخص قدر المستطاع

 من جانبها، يتوجب على الحركة القومية الكردية التركية أن توقف شن الهجماتفوراً وأن تعلن بشكل لا لبس فيه أن استهداف المدنيين وموظفي الحكومة والشرطةوالجيش لن يمنح الأكراد الحقوق المستحقة التي يسعون لنيلها. بدلاً من ذلك، ينبغيعلى النواب المنتخبين، وجلهم من حزب السلام والديموقراطية، أن يشغلوا مقاعدهم فيالبرلمان وأن يصبوا تركيزهم على إحراز التغيير من خلال الإصلاحات الدستورية التيوعدت بها الحكومة

 وينبغي على القوميين الأكراد في تركيا أن يتقدموا بمطالب محددة وأنيلتزموا أي اتفاق يتم إبرامه، كالعفو عن المتمردين على سبيل المثال. ويجب أنيقنعوا الرأي العام التركي بأنهم بالفعل قاموا بتغيير مطلبهم المتمثل في السعيلإقامة كردستان مستقلة مقتطعة من تركيا وسورية والعراق وإيران إلى بناء مستقبلديموقراطي في تركيا. كما ينبغي أن يركزوا على تأسيس حزب سياسي وطني ملتزم إنهاءالقتال وبلوغ أهدافه المتمثلة في الحصول على حقوق متساوية من خلال الوسائل السلمية

 لا يمكن لتركيا أن تقدم نفسها رائدة للديموقراطية في المنطقة إذا اختارتأن تحل القضية الكردية بالحديد والنار، إذ يتوجب أن تسير التدابير الأمنيةالمشروعة مع مراعاة واحترام حقوق مواطنيها الأكراد. وفيما يتدهور الوضع الأمني فيسورية وفيما تهم القوات الأميركية بالانسحاب من العراق – وكلا البلدان كان في مامضى مصدراً خارجياً لعدم الاستقرار الكردي داخلياً – فإن أنقرة تواجه ضرورة اتخاذخطوات جريئة لحل جذور أكثر المشاكل إلحاحاً وخطورة داخل تركيا

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.