الجيل الجديد من المجموعات الفلسطينية المسلحة: نمر من ورق؟
الجيل الجديد من المجموعات الفلسطينية المسلحة: نمر من ورق؟
Palestinian gunmen of Den of Lions attend the funeral of their comrade Tamer Kilani, who was killed in an explosion, in Nablus in the Israeli-occupied West Bank October 23, 2022. REUTERS/Raneen Sawafa
Commentary / Middle East & North Africa 9 minutes

الجيل الجديد من المجموعات الفلسطينية المسلحة: نمر من ورق؟

لقد شكل الشباب الفلسطينيون مجموعات مسلحة جديدة في جميع أنحاء الضفة الغربية. هذه المجموعات الصغيرة، والمفككة والمبعثرة تفتقر إلى أجندة سياسية واضحة. إلا أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حد سواء وجدتا ما يبرر المبالغة بالتهديد الذي تشكله هذه المجموعات للوضع القائم.

في السنتين الماضيتين، ظهر جيل جديد من المجموعات المسلحة في أوساط فلسطينيي الضفة الغربية. وتعرضت هذه المجموعات للهجوم من إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حد سواء، ولفتت أيضاً اهتمام أطراف أبعد. إن ظهور هذه المجموعات أمر لافت، لكنه ليس غير مسبوق. في الماضي، كانت مثل تلك المجموعات مرتبطة بفصائل سياسية رئيسية، وعادة ما ترتبط بعناصر في منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة حماس الإسلامية. تظهر الأبحاث التي أجريت في نابلس في آذار/مارس أن هذه المجموعات الجديدة، على عكس سابقتها، تبدو غير مرتبطة بفصائل معينة وتعمل على نحو مستقل. وهي مدفوعة بالإحباط الناشئ لكن العميق حيال الوضع القائم – من القيادة الفلسطينية غير الكفؤة إلى وحشية الاحتلال الإسرائيلي التي تزداد عمقاً إلى الاقتصاد المنهار.

هذه المجموعات، التي ظهرت أولاً في جنين، وهي مدينة في شمال الضفة الغربية، واستنسخت نفسها في جميع أنحاء المنطقة، قاتلت ضد الجيش الإسرائيلي على نحو متكرر عندما كان يتغلغل إلى مناطقها الأصلية. كما نفذ مسلحوها هجمات متفرقة على الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. ورداً على ذلك، استهدفت إسرائيل المجموعات، فقتلت بعض أفرادها واعتقلت آخرين. السلطة الفلسطينية، من جهتها، وهي المؤسسة التي أنشئت بموجب اتفاقات أوسلو لعام 1993 لحكم الأراضي الفلسطينية المحتلة، عملت أيضاً على تقويض المجموعات، ولجأت بشكل رئيسي إلى تدابير سرية لفعل ذلك. وقد وصفت السلطة الفلسطينية والمسؤولون الإسرائيليون المجموعات بأنها "عصابات وإرهابيين"، على التوالي، الأمر الذي يعكس إلى حد ما الدوافع المختلفة لتصويرها على أنها تشكل تهديداً.

صرف الانتباه عن أزمة الحوكمة

ليس من قبيل المصادفة أن أولى تلك المجموعات ظهرت في أيار/مايو 2021، بعد أن ألغت السلطة الفلسطينية الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت قد أعلنت عن إجراءها في ذلك العام ووسط انفجار للعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل أيضاً. وبالنظر إلى أن الانتخابات كانت (وما تزال) مؤجلة منذ وقت طويل، فإن إلغاءها كان إجراءً لا يحظى بالشعبية على الإطلاق. وشعر كثير من الفلسطينيين بالغضب أكثر بسبب عدم قيام السلطة الفلسطينية بأي فعل خلال إراقة الدماء في ذلك الربيع، والتي بلغت أوجها في حرب الأحد عشر يوماً بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة. قبل ذلك، لكن بشكل أكبر منذ ذلك الحين، تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة شرعية جدية نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية: أساليبها الفاسدة والاستبدادية؛ والتصور بأنها تعمل على أنها متعهد من الباطن لصالح الاحتلال الإسرائيلي؛ وتخفيضات المساعدات المباشرة، وبشكل ملحوظ من مانحتيها الرئيسيتين، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، التي قلصت قدرتها على توفير الخدمات الأساسية. لقد شلّت هذه العوامل مجتمعة جهود السلطة الفلسطينية لتجنيد وتدريب وتجهيز قوات الأمن، وأيضاً استمالة واحتواء معارضتها، وهي العناصر الرئيسية لإستراتيجيتها في البقاء في السلطة.

يمكن أن تتصاعد هذه الأزمة قريباً وأن تصل إلى ذروتها. ما سيحدث عندما يغادر الرئيس محمود عباس، البالغ من العمر ثمانية وثمانين عاماً، المشهد غير مؤكد. لقد قوض عباس جميع المسارات الدستورية المفضية إلى خلافته، بما في ذلك إلغاء الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها عام 2021. ومع مناورة مجموعة من كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية وسياسييها للحصول على المناصب في حقبة ما بعد عباس التي ستحل، عاجلاً أم آجلاً، فإن الاستياء الشعبي يتنامى. يمكن لعملية انتقالية فاشلة أن تثير أحداث العنف أو تؤدي حتى إلى انهيار السلطة الفلسطينية في وجه اضطرابات شعبية أو صراع النخب.

لقد استغلت السلطة الفلسطينية التصوّرات المحلية والدولية بأن الضفة الغربية يمكن أن تنزلق إلى الفوضى.

على هذه الخلفية، استغلت السلطة الفلسطينية التصورات المحلية والدولية بأن الضفة الغربية يمكن أن تنزلق إلى الفوضى (ما يشير إليه السكان المحليون بـ 'الفلتان الأمني')، وتصوّر المجموعات المسلحة الجديدة على أنها "عصابات" يمكن أن تسعى إلى ممارسة وظائف شبيهة بوظائف الدولة في الضفة الغربية. وبفعلها ذلك، تحاول التماس الدعم في مواجهة المجموعات من إسرائيل والجهات الفاعلة الدولية، وكذلك من الفلسطينيين أنفسهم. وتلقى تحذيراتها صدى لدى كثير من سكان الضفة الغربية، الذي يذكرون جيداً الفوضى التي حلّت خلال الانتفاضة الثانية في مطلع الألفية، عندما انخرط مسلحون في عمليات ابتزاز في عدة بلدات. كانت هذه العصابات المرتجلة تستغل الضعف المفرط للسلطة الفلسطينية بعد أن هدمت إسرائيل، في سعيها لسحق الانتفاضة، جميع منشآت قوات الأمن الفلسطينية تقريباً، بما في ذلك مراكز التدريب والاحتجاز، واعتقلت معظم عناصر الأمن.

يستعمل مسؤولو السلطة الفلسطينية تكتيكات متنوعة لإضعاف المجموعات. أولاً، تحاول السلطة الفلسطينية استحضار الذكريات السيئة عن الانتفاضة الثانية باتهام أفراد المجموعات الجديدة بأن لهم خلفيات إجرامية. (كما يقول بعض سكان الضفة الغربية ومسؤولو السلطة الفلسطينية أيضاً إن شخصيات قيادية في هذه المجموعات معروفون بأنهم تجار سلاح غير شرعيين، لكن يصعب إثبات هذه الاتهامات.) في مدينة نابلس القديمة، حيث تنشط مجموعة مسلحة تسمى ’عرين الأسود‘، أرسلت السلطة الفلسطينية أنصارها، الذين تظاهروا بأنهم أعضاء في ’عرين الأسود‘، للتحرش بالمحال التجارية وأصحاب الأعمال في محاولة لتلطيخ سمعة المجموعة. كما قامت قوات أمن السلطة الفلسطينية بتعطيل مآتم قتلى هذه المجموعات باستعمال العنف، وتحدّث مسؤولون محليون في السلطة الفلسطينية بازدراء عن الأعضاء وأقاربهم. كما استعملت السلطة الفلسطينية أيضاً تكتيكها المهترئ المتمثل في استمالة أولئك الذين يوافقون على تسليم أسلحتهم بأن تعرض عليهم وظائف في قوات الأمن والسيارات والمال لدفع بدلات إيجارهم.

أخيراً وليس آخراً، استعملت السلطة الفلسطينية وجود هذه المجموعات للضغط على إسرائيل، دون نجاح، للتوقف عن تقويض ما تبقى من مصداقيتها بشن حملات عسكرية معتادة في المنطقة آ من الضفة الغربية، حيث يفترض أن تتمتع بسيطرة حصرية. وقد هددت على نحو متكرر بتعليق أو تقييد التعاون الأمني مع إسرائيل، رغم أنها لم تنفذ ذلك التهديد، ومن غير المرجح أن تفعل ذلك بأي شكل جدي، بالنظر إلى أنها تعتمد على هذه العلاقة من أجل بقائها بحد ذاته. وكان وضع حد للتوغلات، إضافة إلى وقف التوسع الاستيطاني، المطلب الرئيسي للسلطة الفلسطينية في القمم التي رعتها الولايات المتحدة في العقبة، الأردن وشرم الشيخ، مصر في 26 شباط/فبراير و19 آذار/مارس، على التوالي. تجاهلت إسرائيل طلبات السلطة الفلسطينية. بدلاً من ذلك، ووعدت بإعادة ما يقدر بـ 78 مليون دولار من العائدات الضريبية التي حجبتها عن السلطة الفلسطينية منذ كانون الثاني/يناير 2023، في رد انتقامي على دعم السلطة الفلسطينية لعريضة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تطالب محكمة العدل الدولية بإصدار رأي استشاري يصف الاحتلال الإسرائيلي بغير الشرعي. كما وعدت بتقليص الضرائب على الواردات من النفط والسلع الأخرى المخصصة للضفة الغربية وتخفيف الضغوط المالية على السلطة الفلسطينية، رغم أنها لم تتخذ هذه الإجراءات بعد.

لإسرائيل أسبابها الخاصة لملاحقة المجموعات المسلحة الجديدة، التي تصنفها بـالـ "إرهابية". لقد وفرت المجموعات للجيش الإسرائيلي، الآن وفي ظل حكومة من أقصى اليمين لها أهداف ضم الأراضي الفلسطينية، أو بذريعة أخرى لدخول المراكز السكانية الفلسطينية في المنطقة آ، مدّعية أنها تلاحق مسلحين إما ضالعين في هجمات على إسرائيل أو في التخطيط لمثل تلك الهجمات على ما يزعم. تحمّل إسرائيل السلطة الفلسطينية مسؤولية عدم القيام بشيء يذكر لقمع هذه المجموعات، ولا تذكر حقيقة أنه بموجب اتفاقات أوسلو، تتمتع قوى الأمن الفلسطينية اسمياً بنفوذ حصري على المنطقة آ وحسب، في حين يمكن للمجموعات أن تتحرك بحرية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهو ما يفعله الجيش الإسرائيلي أيضاً.

بؤرة استقطاب للمحبطين

كما هو الوضع اليوم، فإن هذا الجيل الجديد من المجموعات المسلحة لا يبدو أنه يشكل حتى الآن تهديداً أمنياً كبيراً. تشير المقابلات مع السكان، وأفراد حركة فتح ومسؤولين في السلطة الفلسطينية في نابلس إلى أن المجموعات صغيرة، ومفككة ومبعثرة، دون قيادة واضحة. ظهرت أولاً في مخيم جنين للاجئين. ولاحقاً، ظهرت مجموعات مشابهة في مدينة نابلس القديمة وفي مخيم بلاطة القريب للاجئين، ومن ثم في مخيمات في طولكرم، وطوباس، وأريحا والخليل. المجموعتان الأكبر هما كتائب جنين – 200 مقاتل على الأكثر، طبقاً لتقديرات مسؤولين أمنيين فلسطينيين، ومعظمهم أفرادها متذمرون من فتح (حزب عباس الحاكم) والجهاد الإسلامي الفلسطيني، الذي ما يزال لديهم علاقة قوية معها – و’عرين الأسود‘ في نابلس، التي تتكون من 100 عضو على الأكثر، وبصورة رئيسية منشقين عن فتح لكن أيضاً بعض عناصر حماس (الذين يبدو أنهم لا يجلبون معهم أجندة الحركة إلى المجموعة). وتعكس بنية المجموعات التركيبة الاجتماعية–السياسية للمجموعات العمرية الأصغر سناً في كل منطقة محلية، حيث إن معظم أعضائها تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثلاثين عاماً. وهم في معظمهم ليسوا إسلاميين بشكل ظاهر، ولا يؤثر الدين في شخصية المجموعات من حيث الإستراتيجية أو الأجندة، التي ما يزالون يفتقرون إليها على كل حال.

وموقفهم دفاعي غالباً، إذ ينخرط المقاتلون في تبادلات يومية تقريباً بالنيران مع الجنود الإسرائيليين الذين يدخلون المنطقة آ، وهي ممارسة قديمة للجيش تغضب السكان. وقد كانت عملياتهم الهجومية محصورة بهجمات متفرقة على نطاق محدود على المواقع العسكرية الإسرائيلية، ونقاط التفتيش والمستوطنين. لا يبدو أن المجموعات تنفذ هجمات عبر الخط الأخضر في إسرائيل، ربما بسبب محدودية قدراتها وأيضاً خشية إثارة رد فعل انتقامي إسرائيلي أقوى. ويبدو أن أفعالها أدائية على نحو كبير، ذلك النوع الذي يستعرض ويؤكد على الانتصارات الأخلاقية أكثر من الانتصارات العسكرية، التي يتم تظهيرها من خلال إعلانات حماسية على منصة التواصل الاجتماعي تليغرام. كثير من أعضاء المجموعات شاركوا أسماءهم طوعاً على الإنترنت، إضافة إلى تفاصيل عن حياتهم، والشخصيات الأكثر بروزاً معروفة تماماً في الأماكن التي تعيش فيها.

لقد أصبحت المجموعات المسلحة الجديدة أدوات وبؤر استقطاب للغضب السائد وسط الشباب الفلسطيني حيال الوضع القائم.

 

هذا الشكل من أشكال المقاومة نتاج الظروف الاستثنائية التي نشأ فيها. بالنظر إلى أنها عالقة بين قيادة فلسطينية غير كفؤة ومتواطئة وعنيفة، واحتلال عسكري قاسٍ، فإن هذه المجموعات المسلحة الجديدة أصبحت أدوات وبؤر استقطاب للغضب السائد وسط الشباب الفلسطيني حيال الوضع القائم. ليس لهذه المجموعات أجندة سياسية، أو تنظيم أو إستراتيجية واضحة؛ إذ لم تشر، على سبيل المثال، إلى أنها تريد الإطاحة بالسلطة الفلسطينية أو أن تشكل تحدياً جدياً للاحتلال.

حتى الآن، وبالنظر إلى أنها منفصلة جغرافياً، فإنها حاولت عن وعي تجاوز الفصائلية، وتجنبت المنافسة لتمييز نفسها عن تشظي النخب الحاكمة والمقاربة الصفرية للسياسة. وهي تقر بأنها تقلد أبطال الحركة الوطنية الفلسطينية القدامى. إذ يقارن سكان الضفة الغربية، على سبيل المثال، بين ’عرين الأسود‘ و’الحرس الليلي‘، وهي مجموعة ظهرت خلال الانتفاضة الثانية وكانت تتمتع أيضاً ببنية لا مركزية ولم يكن لديها برنامج إلا المقاومة المسلحة للاحتلال. لكن يبدو أنه ليس كل الأعضاء ينضمون إلى المجموعات الجديدة لأسباب وطنية على نحو خاص؛ إذ يبدو أن البعض حريص على استخدام مشاركته للحصول على امتيازات شخصية من السلطة الفلسطينية.

كما أن هذه المجموعات تشكل رداً على الفراغ في القيادة على المستوى الوطني؛ إذ ينظر كثير من الفلسطينيين إليها على أنها توفر بديلاً محلياً وأصيلاً للسلطة الفلسطينية البعيدة، مثال ملتزم بمقاومة الاحتلال يتناقض مع ما يرون فيه، هم وكثيرون آخرون، حكماً مصلحياً ذاتياً للسلطة الفلسطينية. ولذلك السبب بالتحديد، فإن بعض عناصر أمن السلطة الفلسطينية نفسها بنوا علاقات مع مجموعات مثل ألوية جنين، بل منحوها دعماً لوجستياً (رغم أن العلاقات تستند أيضاً إلى عوامل أخرى، من العلاقات الاجتماعية المشتركة إلى الضرورات السياسية).

تتناقض الشعبية الظاهرية للمجموعات مع الغضب الذي يشعره كثير من الفلسطينيين حيال السلطة الفلسطينية نفسها. عندما اعتقلت السلطة الفلسطينية مصعب إشتية، أحد قادة ’عرين الأسود‘ والعضو في حماس، في 19 أيلول/سبتمبر 2022، اندلعت الاحتجاجات في نابلس، وجنين وعدة مخيمات للاجئين، الأمر الذي أدى إلى صدامات عنيفة مع قوات أمن السلطة الفلسطينية. وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أن الرأي العام يدعم هذه المجموعات. كما تشير تلك الاستطلاعات إلى أن معظم الفلسطينيين لن يكترثوا إذا انهارت السلطة الفلسطينية.

وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي تشكله هذه المجموعات للسلطة الفلسطينية ولإسرائيل على حد سواء؛ إذ تشكل قمة جبل جليدي، بالنظر إلى أنها ارتبطت بحالة الاستياء العميق في المجتمع الفلسطيني. ما فعلته السلطة الفلسطينية وجهود مكافحة التمرد الإسرائيلية عن غير قصد هو إثارة تبديل مستمر لقياداتها وعضويتها. في حين لا يبدو أن المجموعات تشكل، حتى الآن، تهديداً كبيراً، فإن ذلك قد يتغير، ولا سيما إذا استمرت السياسات الراهنة. بالنظر إلى أنها تتغير بشكل مستمر، يمكن أن تصبح شيئاً مختلفاً تماماً، كما قالت السلطات المحلية والمسؤولون الأمنيون في السلطة الفلسطينية، إذ يمكن أن تصبح أي شيء من العصابات الإجرامية التي تفترس جيرانها، كما في مطلع الألفية، إلى متمردين يشكلون تحدياً خطيراً للسلطة الفلسطينية وإسرائيل في الأراضي المحتلة.

السلطة الفلسطينية بين خيارين أحلاهما مُر

تحاول السلطة الفلسطينية تحويل ضعفها إلى مزية، إذ تبالغ في التهديد الذي تشكله هذه المجموعات المسلحة الجديدة لإعادة فرض أهميتها على داعميها – إسرائيل والقوى الخارجية. وهي ترغب بانتزاع تنازلات من الأولى وتمويل من الثانية. وهي متهمة بالتراخي مع المجموعات، الأمر الذي يعني أن عليها أن توازن بين قدرتها المحدودة على استخدام القسر والإكراه والاستمالة والاستيعاب مقابل الحاجة الملحة لدعم سياسي ومالي أكبر.

إلا أن داعمي السلطة الفلسطينية ينظرون إلى مشكلتها على أساس تكنوقراطي، على أنها افتقار إلى القدرات العملياتية، وليس على أنها دوامة سياسية كامنة في موقع السلطة الفلسطينية الذي يكبل يديها. لقد خسرت السلطة الفلسطينية منذ وقت طويل أوراق اعتمادها الوطنية. إن قيادة فلسطينية تفشل في تحقيق تقدم نحو إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وتقديم الخدمات الأساسية التي يمكن أن تقدم لهم الخدمات الأساسية بشكل يجعل حياتهم أكثر قابلية للاحتمال ولو بشكل طفيف لا تستطيع أن تحكم بفعالية. الفلسطينيون بحاجة ماسة لحكومة أكثر كفاءة وأقل فساداً. إلا أن المزية الأكبر للسلطة الفلسطينية تكمن في عدم وجود أحد – لا معارضة فلسطينية، ولا منظمات مجتمع مدني ولا جيل جديد من المجموعات المسلحة – يمكن أن يقدم بديلاً قوياً وقابلاً للحياة للوضع القائم. رغم غضب الفلسطينيين من السلطة الفلسطينية، فإن القوة الحقيقية للسلطة قد تكمن في عدم قدرتهم على رؤية مستقبل يتجاوزها.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.