تمهيد الطريق نحو محادثات بشأن الصحراء الغربية
تمهيد الطريق نحو محادثات بشأن الصحراء الغربية
U.N. Western Sahara envoy Staffan de Mistura meets Polisario Front officials as he visits the Smara refugee camp in Tindouf, Algeria, January 15, 2022. REUTERS/Ramzi Boudina
Commentary / Middle East & North Africa 17 minutes

تمهيد الطريق نحو محادثات بشأن الصحراء الغربية

لقد بذل الدبلوماسيون جهوداً شاقة للتوسط في إجراء مفاوضات بشأن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها منذ أواخر عام 2020، عندما انهار وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو الداعية لاستقلال المنطقة. إذا رفعت واشنطن مستوى انخراطها في الوساطة، فقد تتمكن من إعادة إطلاق العملية.

قد يكون من الممكن إعادة إطلاق المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى تسوية بشأن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بعد عمل دبلوماسي تمهيدي مُنهِك. لكن سيتبين أن تحقيق تقدم نحو تسوية الإشكالية القائمة بشأن المنطقة سيكون صعباً دون دعم أميركي أقوى. فقد ضيّقت الاختلافات التي تزداد شقتها اتساعاً بين المغرب وجبهة البوليساريو الداعية إلى الاستقلال، إضافة إلى التوترات المتصاعدة بين المغرب والراعي الرئيسي للجبهة، الجزائر، من مجال المناورة المتاح أمام مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا. كما أن افتقار المبعوث إلى تفويض قوي من مجلس الأمن الدولي المنقسم بعمق يجعل تحقيق التقدم أمراً أشد صعوبة. رغم ذلك، فإن ثمة علامات مشجعة فيما يتعلق بعودة محتملة إلى الحوار في الأشهر القادمة. بالنظر إلى ثقلها الدبلوماسي وعلاقاتها الجيدة مع كلا الطرفين، ينبغي أن تتغلب الولايات المتحدة على إحجامها عن إنفاق رأسمال سياسي على صراع تَعدُّه ذا أولوية متدنية، وأن تعمق انخراطها وأن تصمم سلسلة من الخطوات التي من شأنها تحضير الأرضية لمحادثات جادة بشأن الصحراء الغربية.

أعادت سلسلة من الأحداث بين عامي 2020 و 2021 إشعال فتيل الصراع الخامد. تسيطر المغرب على معظم الصحراء الغربية، إلا أن سلطتها تواجه تحدياً من جبهة البوليساريو، التي تدعو إلى استقلال المنطقة وتجادل بأنه ينبغي أن يحظى سكانها بحق تقرير المصير. انهار وقف لإطلاق النار بين الجانبين في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، الأمر الذي أدى إلى استئناف القتال. أحدث الرئيس الأميركي حينذاك دونالد ترامب اضطراباً في الوضع القائم منذ عقود عندما أعلن في كانون الأول/ديسمبر 2020 أن واشنطن ستعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغريبة. ردت الجزائر على ذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في آب/أغسطس 2021، مشيرة إلى الأفعال أحادية الجانب التي تقوم بها المملكة في المنطقة المتنازع عليها كمبرر لقطع العلاقات. وجعلت ردود الفعل في جميع أنحاء المنطقة التوصل إلى تسوية تفاوضية لمسألة الصحراء الغربية يبدو أقل احتمالاً من أي وقت مضى.

لكن يبدو أن المقاربات الحذرة التي يتبعها مبعوث الأمم المتحدة في شمال أفريقيا وأيضاً في مجلس الأمن بددت بعض الكآبة المحيطة بالقضية. يبدو أن حدة القتال تراجعت، إذ لم يُبلَغ عن ضربات تقوم بها المسيَّرات المغربية في الشهور القليلة الماضية، في حين تعرض واشنطن بهدوء الدعم لخطط لإعادة الطرفين إلى الاجتماع وصياغة عملية تفاوضية جديدة. إلا أن الفجوة بين الجانبين ما تزال واسعة، ويبقى هناك سؤال مفتوح عن مدى استثمار الولايات المتحدة لمواردها الدبلوماسية لتحقيق تسوية لهذا الصراع، الذي لا يُعدُّ من بين اهتماماتها الجيوسياسية الجوهرية.

العودة إلى الحرب

بدأ الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو الداعية إلى الاستقلال في عام 1975 عندما انسحبت إسبانيا من مستعمرتها السابقة في منطقة الصحراء، والتي عرفت لاحقاً بالصحراء الغربية. بعد رحيل إسبانيا، تقاسمت المغرب وموريتانيا المنطقة. وانخرطت جبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، في صراع مسلح لتحرير المنطقة من المغرب وموريتانيا على حد سواء. في عام 1979، انسحبت موريتانيا وتركت الصحراء الغربية تحت السيطرة المغربية المنفردة. وبمرور الوقت، عززت الرباط قبضتها على معظم هذه المنطقة من خلال إقامة جدار سمَّته "الجدار الرملي"، حيث احتفظت البوليساريو بالسيطرة على العشرين بالمئة المتبقية التي تشير إليها بأنها "المنطقة المحررة".

حضَّر هذا المأزق العسكري المشهد لإطلاق خطة للتسوية بوساطة من الأمم المتحدة في عام 1991 شملت وقفاً لإطلاق النار، وإقامة منطقة عازلة قسمت الصحراء الغربية على طول الجدار الرملي واحتوت بنوداً تنص على إجراء استفتاء على تقرير المصير للمنطقة برمّتها. كما أنشأت بعثة للأمم المتحدة، مينورسو (MINURSO)، لمراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء. إلّا أن الخطة فشلت في تسوية الصراع. ولم يُجرَ الاستفتاء، وأخفقت المحادثات التي تلت في تحقيق تقدم ملحوظ. وفي غياب حل تفاوضي، قدّمت المغرب مقترحاً للحكم الذاتي في عام 2007 يبقي كل المنطقة المتنازع عليها تحت سيطرة الرباط بينما يوفر درجة من الحكم الذاتي للصحراويين. دعمت فرنسا والولايات المتحدة المقترح، لكن البوليساريو رفضته، قائلة إنه يلغي حق السكان المحليين بتقرير المصير. ونتيجة لذلك، ما تزال الصحراء الغربية على قائمة الأمم المتحدة للمناطق التي لا تحكم نفسها.

مهّدت سلسلة من الأحداث الدبلوماسية في عامي 2019 و 2020 الطريق لأحدث موجة من القتال. فبعد استقالة مبعوث الأمم المتحدة هورست كوهلر لأسباب صحية في أيار/مايو 2019، لم تعيِّن الأمم المتحدة خليفة له لأكثر من عامين – إذ كان يعترض كل مرة هذا الطرف أو ذاك على اثني عشر مرشحاً. افتتح عدد من البلدان، معظمها من العالم العربي وأفريقيا، قنصليات في الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية خلال هذه المدة، في قبول ضمني لسيادة الرباط على المنطقة بأكملها. ووسط هذا التوتر المتصاعد، انهار وقف إطلاق النار لعام 1991 في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. واندلع القتال بين الجانبين، وسيطرت الرباط على جزء من المنطقة العازلة التي أقامتها الأمم المتحدة قرب الكركرات. وفي أعقاب ذلك، قرر ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة، وقطعت الجزائر والمغرب العلاقات الدبلوماسية بينهما.

سعى مجلس الأمن الدولي إلى الاستجابة لانهيار وقف إطلاق، مع انقسام القوى الأجنبية نفسها بعمق بشأن أفضل مسارات التقدم إلى الأمام.

سعى مجلس الأمن الدولي إلى الاستجابة لانهيار وقف إطلاق، مع انقسام القوى الأجنبية نفسها بعمق بشأن أفضل مسارات التقدم إلى الأمام. بعد شهرين، تولت ألمانيا زمام القيادة بطلب إجراء مشاورات خلف أبواب مغلقة بشأن أحدث التطورات. تحققت هذه الخطوة الأولية بثمن باهظ. إذ رداً على ذلك، جمَّدت الرباط اتصالاتها الدبلوماسية مع برلين، وأنكرت أن القتال كان قد استؤنف على أمل تفادي إجراء تحقيقات دولية.

رغم هذه العقبات، أُطلقت مبادرات دبلوماسية جديدة. إذ حاولت الولايات المتحدة إقناع مجلس الأمن في نيسان/أبريل 2021 بتقديم "عناصر صحفية" – وهو نمط من العمل في المجلس يهدف إلى نقل وجهات نظر الأعضاء من خلال تصريحات شفهية من قبل رئيس المجلس. في هذه الحالة كان الهدف حث الطرفين على تجنب التصعيد والدعوة إلى تعيين مبعوث جديد. إلّا أن الهند، التي كانت عضواً في المجلس حينذاك، رفضت المقترح، وأيّدت الموقف المغربي في إنكار أن الطرفين يتحملان مسؤولية متساوية عن انهيار وقف إطلاق النار وتحميل المسؤولية بدلاً من ذلك للاستفزازات المزعومة التي قامت بها البوليساريو.

مبعوث جديد للأمم المتحدة وسط ارتفاع حدة التوترات

لم يفعل إعلان تعيين مبعوث أممي جديد في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 الكثير لتهدئة المياه المضطربة. ضغطت واشنطن وفي النهاية أقنعت الرباط بقبول تعيين دي ميستورا مبعوثاً شخصياً جديداً للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، رغم أن المملكة كانت قد عبَّرت عن شكوكها بشأنه. وفي الشهر نفسه، اتهمت الجزائر الرباط بقتل ثلاثة سائقي شاحنات جزائريين في الصحراء الغربية كانوا في طريقهم إلى موريتانيا، وهددت بأن "اغتيالهم لن يمرَّ دون عقاب". في نيسان/أبريل 2022، وجّهت الجزائر اتهاماً ثانياً للمغرب، قائلة إن قواته الجوية كانت قد هاجمت قافلة للشاحنات المدنية قرب الحدود مع موريتانيا، فقتلت ثلاثة أشخاص آخرين.

بدلاً من تخفيف حدة التوترات، أدت التحركات الدبلوماسية إلى تسخينها. فبعد عقود من الخلاف، رمّم المغرب وإسبانيا – القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية – علاقاتهما في آذار/مارس 2022، مع إنهاء مدريد لموقف الحياد الذي انتهجته حيال المنطقة المتنازع عليها وإعلان أن خطة الحكم الذاتي التي طرحتها المملكة في عام 2007 تشكل "الأساس الأكثر جدية وواقعية لتسوية" الصراع. ردَّت البوليساريو بغضب شديد، وردَّت الجزائر أيضاً بتعليق علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسبانيا. وبعد ذلك بوقت قصير، تخلَّت تونس عن موقفها المحايد، إذ رحب الرئيس قيس سعيِّد رسمياً برئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في تونس العاصمة، الأمر الذي أغضب المغرب كثيراً. دخلت تونس والرباط، من ثم، خلافاً شهد إجراءات وإجراءات مضادة، واستدعت كل منهما سفيرها لدى الدولة الأخرى.

عقَّدت سلسلة الأحداث هذه بشكل كبير عمل مبعوث الأمم المتحدة. ففي تموز/يوليو 2022، أُجبر على إلغاء زيارة كان مخططاً لها إلى الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية بعد أن منعته الرباط من الاجتماع مع ممثلي المجتمع المدني المحلي والمنظمات النسائية، رغم أن طلبه القيام بذلك كان ينسجم مع ما كان مبعوثون سابقون قد فعلوه. أبرز هذا الحادث نفوذه المتضائل لدى المغرب مقارنة بأسلافه، الذين كانوا قد تمتعوا بدعم أقوى من مجلس الأمن الدولي.

بعد بضعة أسابيع، في مطلع آب/أغسطس 2022، هددت مواجهة بين البوليساريو ومينورسو بإنهاء أعمال المراقبة التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة. إذ دُمرت شاحنة تابعة للبوليساريو تستخدم في حمل المياه إلى مواقع فريق مينورسو شرق الجدار الرملي، في غارة مزعومة شنتها طائرة مسيَّرة مغربية. ردَّت الجبهة بتعليق قوافل إعادة الإمداد البرية إلى جميع مواقع مينورسو، وسمحت فقط لرحلتين جويتين بالمروحيات شهرياً لإمدادهم بالغذاء، والمياه المعبأة في قوارير وقطع الغيار. في حديث خاص مع مجموعة الأزمات، قال مسؤول في البوليساريو إن المحافظة على خطوط الإمداد ليست قضية لوجستية صرفة على الإطلاق، بل إنها مسألة سياسية. مع عدم وجود استفتاء في الأفق، وانهيار وقف إطلاق النار والوجود الدائم للمغرب في المنطقة العازلة التي أقامتها الأمم المتحدة، تخشى البوليساريو من أن بعثة الأمم المتحدة قد تغيّرت وابتعدت كثيراً عما ينص عليه تفويضها. وقال المسؤول: "بعد انتهاء وقف إطلاق النار، لم نعد ملتزمين بالسماح بأي نشاط لمراقبة وقف إطلاق النار [من قبل مينورسو]". وقال المسؤول: "ما زلنا نسمح للبعثة بالبقاء، رغم أنها لا تحقق مهمتها [في تنظيم استفتاء على تقرير المصير]. ما نزال ملتزمون بتفويض مينورسو، وليس بوقف إطلاق النار".

في النهاية، ومع انخفاض إمدادات مينورسو من الوقود والطعام بشكل خطير تتنامى المخاوف من أن أزمة الصحراء الغربية قد تتصاعد لتتحول إلى صراع مكتمل الأركان بين المغرب والجزائر، قبلت البوليساريو بتسوية مؤقتة. فبدأ مسؤولون في مينورسو بطرح احتمال الانسحاب من المنطقة، الأمر الذي دفع السفير المغربي في الأمم المتحدة، عمر هلال، للتهديد بأنه إذا انسحبت البعثة، فإن المغرب "سيكون من حقه استعادة الجزء من الصحراء الذي سُلِّم لمينورسو". حفَّز هذا التلميح إلى احتمال قيام القوات المغربية باحتلال المنطقة العازلة التي أقامتها الأمم المتحدة والمنطقة التي تسيطر عليها البوليساريو قرب الحدود الجزائرية، وقرب مواقع عسكرية جزائرية ومخيمات لاجئين صحراويين داخل الجزائر، الدبلوماسيين على التحرك. أقنعت الضغوط الأميركية والفرنسية، إضافة إلى الوساطة الجزائرية، البوليساريو في مطلع عام 2023 بـ "توفير المرور الآمن، على أساس استثنائي ومؤقت"، لقوافل مينورسو البرية.

لقد استؤنفت الآن عمليات الإمداد البرية، إلّا أن الأسباب الكامنة خلف الصراع ما تزال دون معالجة، ولم تُستأنف المحادثات بعد. أبرز المؤتمر العام للبوليساريو، في 16 كانون الثاني/يناير، شكوك الحركة بإمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي في الوقت الحاضر. وتحت شعار "تصعيد الصراع للتخلص من الاحتلال وتحقيق السيادة"، بلغ المؤتمر أوجه في انتخابات للقيادة أبرزت قوة الفصائل الأكثر تعنّتاً. إذ تحدى البشير مصطفى السيد، شقيق مؤسس البوليساريو الراحل وقائدها الوالي مصطفى السيد، تحدى غالي على الرئاسة، وعرض برنامجاً يركز على تصعيد العمليات العسكرية ضد المغرب في المنطقة العازلة السابقة التي أقامتها الأمم المتحدة وداخل الصحراء الغربية الواقعة تحت سيطرة الرباط على حد سواء. وكما قال أحد ناشطي البوليساريو لمجموعة الأزمات، فإن "البشير يؤمن بتكثيف المجهود الحربي ولعب دور دبلوماسي أكثر عدوانية للاستفادة من الصراع". رغم أن غالي فاز بـ 69 بالمئة من الأصوات، فإن السيد ضمن دعم مجموعة كبيرة من الصحراويين الشباب بشكل رئيسي والذين ينفد صبرهم بشكل متزايد حيال الوضع القائم ويفضلون نهجاً أكثر عدوانية حيال المغرب.

دي ميستورا، أو فن إدخال الخيط بالإبرة

مع تصلُّب مواقف الطرفين، بدأ دي ميستورا بإعادة بناء الاتصالات الدبلوماسية. ونظراً لافتقاره إلى تفويض قوي من مجلس الأمن، فإنه قام بمشاورات ثنائية مباشرة مع جميع الأطراف الضالعة في الصراع بينما لم يُبرز أنشطته بشكل كبير، رغم أن هذه المقاربة أثارت اتهامات بتعرُّضه للتهميش.

كان من بين هواجسه الرئيسية المسافة التي تفصل المغرب وجبهة البوليساريو بشأن مسألة استئناف المحادثات. إذ دعت الرباط إلى العودة إلى صيغة مفاوضات الطاولة المستديرة التي بدأت عام 2019، بمشاركة المغرب، والبوليساريو، والجزائر وموريتانيا، وأجندة تستند إلى مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007. من وجهة نظر مغربية، فإن وجود الجزائر ونواكشوط أمر جوهري، بالنظر إلى أن المملكة تعتقد أن البوليساريو مجرد وكيل للجزائر وأن تسوية النزاع يمكن أن تتحقق فقط من خلال صفقة إقليمية كبرى حول الحدود والأمن. ومن جهة أخرى، فإن الجبهة، التي تدعم الجزائر موقفها، تستبعد العودة إلى صيغة الطاولة المستديرة، وتفضل محادثات ثنائية مع الرباط على استفتاء لتقرير المصير على أساس خطة الأمم المتحدة للتسوية لعام 1991.

ومن أجل الخروج من المأزق بشأن من ينبغي أن يشارك في المحادثات، بدأ دي ميستورا بالإشارة في مشاوراته واتصالاته إلى "جميع المعنيين" وحاجتهم لمراجعة مقترحات التسوية. مكَّنته هذه الصياغة من تجنب القول تحديداً أي أطراف ينبغي أن تشارك وأي خطة ينبغي أن تكون موضوعاً للمفاوضات. ساعده الغموض الضمني لصيغة "جميع المعنيين" وقبولها العام على تخطي عقبة كان يمكن أن تتبين صعوبة تخطيها، واستعادة ثقة جميع الأطراف.

الأمر الجوهري هو أن مفهوم "جميع المعنيين" أمن له دعم مجلس الأمن الدولي. ففي جلسة تشرين الأول/أكتوبر 2020 بشأن تجديد تفويض مينورسو، جسرت الولايات المتحدة الفجوة بين أعضاء المجلس المؤيدين للمغرب وأولئك المؤيدين للبوليساريو بطرح تغييرات طفيفة على مشروع القرار، إذ أضافت إشارة إلى "أهمية توسيع جميع المعنيين لمواقفهم من أجل التوصل إلى حل". مثّلت هذه اللغة تصويتاً مهماً بالثقة بدي ميستورا. كما أشارت إلى أن المجلس، ورغم انقساماته، سيدعم الآن مهمة المبعوث.

دعم واشنطن الدبلوماسي المحدود

بعد أن شجعها تحقيق الاختراق في مجلس الأمن، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ترغب باستئناف المفاوضات بوساطة الأمم المتحدة. في نيسان/أبريل، وقبل إحاطة مغلقة لمجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية وبالتوازي مع جولة من المشاورات الثنائية أجراها مبعوث الأمم المتحدة، أبلغ مسؤولون أميركيون ممثلين من الجزائر، والمغرب والبوليساريو في نيويورك أن "الوقت قد حان للتحرك قدماً في هذه العملية"، على حد تعبير دبلوماسي أميركي تحدث إلى مجموعة الأزمات. سعى مسؤولون أميركيون إلى التـأكيد على هذه النقطة في سلسلة من المحادثات الثنائية مع نظرائهم الجزائريين والمغاربة على مدى الأسابيع التالية. وتحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أيار/مايو، متحدثاً عن "الدعم الأميركي الكامل" لمبعوث الأمم المتحدة والتوصل إلى حل للنزاع. بعد ذلك بشهر، التقت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان بوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف وأكدت له دعم واشنطن لدي ميستورا.

يمكن القول إن واشنطن هي القوة الخارجية الوحيدة القادرة على الانخراط مع جميع أطراف النزاع. فعلاقات فرنسا مع المغرب تدهورت تدهوراً كبيراً في الشهور الأخيرة، جزئياً نتيجة تحسن علاقات باريس بالجزائر؛ إذ أجَّل الرئيس إيمانويل ماكرون إلى وقت غير محدد زيارته المزمعة إلى المملكة. في هذه الأثناء، لم تتمكن إسبانيا من إصلاح علاقاتها بالجزائر، وباتت روسيا أقرب مما ينبغي إلى البوليساريو والجزائر بحيث أن الرباط لا تستطيع أن تقبل بها كطرف ذا مصداقية. على العكس من ذلك، احتفظت واشنطن بنفوذها لدى المغرب دون أن تفقد إمكانية الوصول إلى البوليساريو أو الجزائر، وهو موقف عززته بالامتناع عن اتخاذ قرار بتأكيد أو إلغاء اعتراف ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2020 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

رغم ذلك، فإن المسؤولين الأميركيين غير مستعدين لإنفاق رأسمال سياسي كبير على الصراع. من منظور واشنطن، فإن الصحراء الغربية تحتل موقعاً متدنياً على أجندتها. وعلى حد تعبير دبلوماسي أميركي تحدث إلى مجموعة الأزمات: "نرغب بتسوية الصراع، لكنه لا يُعد أولوية بالنسبة لنا ولدينا نطاق تحرك محدود. تمتاز عملية الأمم المتحدة بمعالجة جميع التوترات الإقليمية وتقليص حدّتها".

من منظور واشنطن، تحتل الصح ارء الغربية موقعاً متدنياً على الأجندة.

بدلاً من ممارسة الضغط للحصول على تنازلات متبادلة من كلا الطرفين ومن ثم بناء الثقة، فإن إدارة بايدن تفضل الخيار الأقل إجهاداً من الناحية السياسية والمتمثل في بناء الثقة مع جميع الأطراف من خلال الاستفادة من رغبتها بتعزيز العلاقات مع واشنطن. فعلى مدى الأشهر الماضية، أقامت الولايات المتحدة علاقات اقتصادية وأمنية أوثق مع الجزائر، واستمرت بتعزيز علاقاتها مع المغرب وعرضت احتمال إجراء تبادلات أكثر انتظاماً مع البوليساريو. دبلوماسي أميركي آخر قال لمجموعة الأزمات: "للبوليساريو رغبة بتوسيع علاقتها معنا. وقد يشكل ذلك جزرة [لدفعهم] للعودة إلى الانخراط [مع المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة]".

يبدو أن رسائل واشنطن أحدثت أثراً مهدأ على جميع أطراف الصراع. إذ يبدو أن الرباط قد قلَّصت عدد ضرباتها العسكرية على البوليساريو في الأشهر الأخيرة، فيما يمكن أن يرقى إلى إشارة بحلول التهدئة. وطبقاً لمسؤول أممي تحدث إلى مجموعة الأزمات في أيار/مايو: "لم نرَ أي ضربات لطائرات مسيرة مغربية على مدى أشهر. وهذا ينبئنا بأنه قد يكون هناك وقف غير رسمي. في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، كنا نرى أربع أو خمس ضربات أسبوعياً. أما الآن فقد تغير ذلك تماماً".

كان الأمر الأكثر بروزاً رد الفعل الخافت من الرباط والبوليساريو على حد سواء على القصف المزعوم الذي حدث في الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية في أيار/مايو، والذي دمر أجزاء من منشأة كبيرة لإنتاج الفوسفات. ربما أرادت الرباط تجنب إبراز إحدى نقاط هشاشتها في منطقة تسيطر عليها، في حين كان للبوليساريو مصلحة في تبنّي موقف إمكانية الإنكار القابل للتصديق فيما يتصل بعمل كان من شأنه اجتذاب الانتقادات الدولية، بالنظر إلى المصالح الاقتصادية الأجنبية في المنطقة. في كل الأحوال، لم تذكر وسائل الإعلام المغربية والداعمة للبوليساريو الخبر، لكن منظمة غير حكومية هي مرصد موارد الصحراء الغربية نشرت سلسلة من الفيديوهات يبدو أنها تثبت وقوع الحادث. تحقق ناشطون صحراويون مؤيدون للاستقلال من حدوث القصف في حديث مع مجموعة الأزمات، بينما رفض مسؤول في البوليساريو تحدَّث بشكل منفصل تأكيد أو إنكار حدوث الهجوم. إذا كان قد حدث، فإنه سيكون أول هجوم غير تقليدي داخل الصحراء الغربية الواقعة تحت السيطرة المغربية منذ انهيار وقف إطلاق النار، بالنظر إلى أن القتال كان قد جرى حصرياً على طول الجدار الرملي حتى ذلك الحين. ويمكن لردود فعل كلا الطرفين أن تشير إلى مصلحة مشتركة في تفادي الاحتكاكات لإعطاء فرصة للأمم المتحدة لإعادة إطلاق المحادثات.

رغم ذلك، فإن تحسناً في المناخ قد لا يفضي بالضرورة إلى العودة إلى المفاوضات، ولا سيما إذا ظلت الولايات المتحدة محجمة عن الضغط على الأطراف بقوة أكبر وتمكين المبعوث الأممي. تبدو واشنطن مترددة في المضي أبعد من رسائل الدعم والتوجه للحصول على تنازلات لبناء الثقة من الطرفين. على نحو خاص، أبرز المسؤولون الأميركيون الكلفة السياسية المحتملة المرتفعة للحصول على تنازلات من شريك عنيد مثل المغرب. لكن هذا التردد من شأنه أن يقوض جهود مبعوث الأمم المتحدة، حيث أشار مسؤول أممي في حديث إلى مجموعة الأزمات إلى أن "الولايات المتحدة والآخرون في المجلس يختبئون خلف مبعوث الأمم المتحدة، مع استمرارهم في تبني مواقف متناقضة بشأن قضية لا تشكل أولوية بالنسبة لهم". مبعوث أممي سابق ألقى ظلالاً من الشك أيضاً على قدرة دي ميستورا على المحافظة على الزخم. وقال: "أخشى أنه لن يمضي بعيداً وأن المناورات [بين الأطراف] ستستمر، لأن لا أحد يضغط على الأطراف لتحقيق تقدم".

دون دعم قوي من واشنطن، فإن صراع الصحراء الغربية قد يتصاعد.

لكن دون دعم قوي من واشنطن، فإن صراع الصحراء الغربية قد يتصاعد -  ومعه الاحتكاك بين المغرب والجزائر. إذ يُبرز الهجوم المزعوم على منشأة الفوسفات الاحتمالات الكامنة للعنف، كما توقع ذلك في أواخر عام 2021 وزير دفاع البوليساريو محمد الولي عقيق، الذي ذكر شركات، وقنصليات وخطوط جوية كأهداف محتملة للحرب غير المتناظرة التي تشنها الجبهة. في غياب إطار تضعه الأمم المتحدة للمفاوضات بشأن الصحراء الغربية، سيظل صعباً على المغرب والجزائر منع النزاع على الأرض من إلحاق الضرر بعلاقاتهما بشكل كامل.

تحضير الأرضية للمفاوضات

في حين أنه لم يعترض أي طرف صراحة على صيغة "جميع المعنيين" وفكرة "توسيع مواقفهم"، فإن أياً من الأطراف لن يخاطر باتخاذ خطوة إلى الأمام أيضاً. فالدبلوماسيون المغاربة يستمرون في الانخراط بشكل منتظم مع دي ميستورا، وطبقاً لدبلوماسي أوروبي استشارته مجموعة الأزمات، قد يكون لديهم مصلحة في استئناف المفاوضات قبل انضمام الجزائر إلى مجلس الأمن في عام 2024، إذ إنهم قلقون من أنها قد تستخدم تلك المنصة لزيادة الضغوط على الرباط. رغم ذلك، فإن المسؤولين المغاربة كرروا لمجموعة الأزمات أنهم غير مستعدين للتخلي عن صيغة الطاولة المستديرة لعام 2019 أو التفاوض على أي شيء آخر غير خطة الحكم الذاتي. كما يشير اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في تموز/يوليو أيضاً إلى أن الرباط ستستمر في المضي قدماً بسياستها بتأمين القبول الدولي لسيطرتها على المنطقة. ويبدو أن المسؤولين الأميركيين واثقون من أنه حالما يكشف مبعوث الأمم المتحدة عن خطته، فإنهم سيتمكنون من إقناع الرباط بقبولها. لكنهم مترددون في الضغط على الرباط لتقديم تنازلات لبناء الثقة مع الطرف الآخر بسبب رفض المملكة المحتمل فعل ذلك. في هذه الأثناء يبدو أن الجزائر منفتحة على إجراء المفاوضات لكنها تستمر في رفض اعتبارها طرفاً في الصراع. وعلى حد ما قاله دبلوماسي جزائري لمجموعة الأزمات: "نريد تجاوز هذا الصراع، لكن كل شيء يعتمد على مقترح الأمم المتحدة".

في أعقاب مؤتمر البوليساريو، وفي ضوء النتائج العسكرية الضئيلة التي تحققت منذ انتهاء وقف إطلاق النار، فإنها لا ترى مبرراً للإسراع نحو المفاوضات. لقد اقتصرت أغلبية الأنشطة العسكرية للبوليساريو على المحيبس، وهي منطقة مجاورة للحدود الجزائرية ومخيمات اللاجئين، بسبب التفوق الجوي المغربي والغارات بالطائرات المسيرة. باستثناء الهجوم المزعوم على منشأة الفوسفات، فإن وحدات البوليساريو وجدت صعوبة في إلحاق ضرر كبير بالأصول المغربية. كما يرى ناشطون مؤيدون للاستقلال أن الظروف غير مواتية بشكل عام بسبب غياب الاهتمام الدولي بالصحراء الغربية. في مقابلة مع مجموعة الأزمات، أكد مسؤول في البوليساريو على "أننا مهتمون بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن ينبغي لكثير من الأشياء أن تحدث قبل ذلك. لن نقبل بوقف إطلاق نار جديد، وثمة حاجة لوجود حوافز للبوليساريو. ما تزال المغرب موجودة في المنطقة العازلة وهي تقتل المدنيين. فلماذا ننخرط في محادثات معها؟"، ترحب البوليساريو باحتمال حدوث انخراط منتظم مع الولايات المتحدة. لكن من المشكوك به أن هذا الحافز لوحده سيكون كافياً لإقناع الحركة والسكان اللاجئين المتشككين على نحو متزايد بإمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع.

ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على المغرب كي يبعث بإشارات تدل على طيب النوايا للبوليساريو.

من أجل تعزيز فرص منح جميع الأطراف استقبالاً حاراً لخطة مستقبلية للأمم المتحدة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على المغرب كي يبعث بإشارات تدل على طيب النوايا للبوليساريو، مثل إطلاق سراح على الأقل بعضاً من الناشطين الصحراويين التسعة عشر المحتجزون منذ احتجاجات غديم إيزيك والسماح لمبعوث الأمم المتحدة بزيارة الصحراء الغربية الواقعة تحت سيطرة الرباط. في حين أن هذه الإجراءات رمزية بشكل أساسي فإنها قد تكون كافية لإقناع قادة البوليساريو وقواعدهم الشعبية بأن جهود استعادة الاهتمام العالمي بالصراع قد أثمرت، وأن واشنطن مستعدة لممارسة الضغط على الرباط وأن الظروف لاستئناف المحادثات قد نضجت.

ومقابل تنازلات المملكة، ينبغي على المسؤولين الأميركيين إقناع البوليساريو بتعليق عملياتها العسكرية ضد المغرب بشكل أحادي. رغم أن الجبهة ترفض التوقيع على وقف إطلاق نار جديد، فإنها يمكن أن تعلن هدنة أو أن توقف أنشطتها مؤقتاً بشكل غير رسمي في الصحراء الغربية. ويمكن للولايات المتحدة أن تقدم هذه التنازلات المتبادلة على أنها خطوات لبناء الثقة لتسهيل قبولها من قبل الطرفين.

إلا أن الضغط على الطرفين وانتزاع هذه التنازلات المتبادلة والرمزية إلى حد بعيد سيكون لها كلفة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة، ولا سيما فيما يتعلق بالمغرب. إلا أن عدم تقديم دعم كافٍ لمبعوث الأمم المتحدة يمكن أن يكون مكلفاً أكثر. ففي حين أن واشنطن منشغلة، وعلى نحو مفهوم، بأزمات رئيسية في أماكن أخرى، فإن الاكتفاء بمصادقة محدودة على الجهود الدبلوماسية لمبعوث الأمم المتحدة يمكن أن ينجم عنها فشل في استئناف المفاوضات وحدوث مزيد من الاستقطاب بين الطرفين، الأمر الذي سيدفع إلى التصعيد العسكري والتوتر بين الجزائر والمغرب.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.