People buy used clothing at an open-air market in the city of Raqa in east central Syria on February 26, 2021. Delil SOULEIMAN / AFP
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

سوريا: تعزيز التعافي الهش في الرقة

بعد معاناة مضنية تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية، وخلال الحرب التي شنت لهزيمته، تجري إعادة بناء الرقة. إلاّ أن الهدوء هش. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها العمل لتحقيق الاستقرار طويل الأمد في شمال شرق سوريا من خلال الاستثمارات وإجراء محادثات حول الحوكمة  والترتيبات الأمنية المستدامة.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

الاستنتاجات الرئيسية

ما الجديد؟ بعد عامين من الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية، وما تبعه من توغل تركي، باتت الرقة في شمال شرق سوريا هادئة بشكل عام. غير أن استقرار هذه المحافظة ذات الأغلبية العربية والواقعة تحت سيطرة كردية يبقى هشاً ويستند إلى الردع الأميركي للتحركات العسكرية من قبل تركيا و/أو روسيا بالتوازي مع تحرك من نظام دمشق.

ما أهمية ذلك؟ إن مسار تطور الأمور في الرقة وخطوط التماس فيها يساعد على تحقيق فهم أفضل للتحديات المستقبلية في سوريا؛ إذ تستخدم القوى الإقليمية والدولية المنطقة لإظهار قوتها وتحقيق مصالحها الأمنية. ومن شأن أي تحول مفاجئ في ميزان القوى أن يؤدي إلى العنف، وإلى أزمة إنسانية حادة وموجات نزوح هائلة.

ما الذي ينبغي فعله؟ لقد أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستحتفظ بقوات أميركية في سوريا في الوقت الراهن. وطالما استمر انتشار هذه القوات، ينبغي على الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في التحالف الذي شُكِّل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أن يعززوا الخطوات الرامية إلى تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا، بما في ذلك في مناطق مثل الرقة. وينبغي أن يسعوا إلى ترتيبات دبلوماسية لتفادي حدوث المزيد من الهجمات التي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة

الملخص التنفيذي

باتت الرقة، العاصمة السابقة بحكم الأمر الواقع لما يسمى الدولة الإسلامية، اليوم بين المناطق الأكثر استقراراً في سوريا. إلا أن هذا النجاح النسبي يقوم على أساسات هشة. فقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية التي تسيطر على مدينة الرقة وعلى معظم المحافظة أيضاً تدير المنطقة بكفاءة، لكن بشكل ثقيل الوطأة كما يعتقد البعض، الأمر الذي يثير الاضطرابات أحياناً. تبقى المحافظة التي تقع فيها المدينة مقسّمة ومتنازعاً عليها بين تركيا، وروسيا والنظام السوري، بينما تستغل بقايا تنظيم الدولة الإسلامية الحدود الداخلية القابلة للاختراق للتحرك. المواجهات والضربات المتبادلة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية تبقي الحدود الشمالية متوترة، ويمكن لهذا التوتر أن يتصاعد. يعتمد استقرار الرقة بشكل جوهري على القوات الأميركية التي تتخذ لها مواقع إلى الشرق، والتي يردع وجودها تحول المنطقة إلى ساحة عنف متفلت تنشط فيها جميع الجهات الساعية إلى تحقيق المكاسب. وطالما استمر هذا الانتشار، ينبغي على التحالف الذي شُكِّل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والذي تقوده الولايات المتحدة أن يستثمر في استقرار المنطقة؛ وأن يشجع قوات سوريا الديمقراطية على الالتزام باتفاقات وقف إطلاق النار والحد من احتكارها للحكم المحلي؛ والعمل من أجل التفاوض على ترتيبات مستدامة وكافية لتفادي حدوث تحركات عسكرية من شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة.

في المعارك التي أدت إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، تعرضت المدينة والمناطق المحيطة بها مباشرة إلى الدمار على نطاق يصعب تخيله. اليوم، عادت المنطقة إلى الحياة. وبدعم من التحالفِ، أقامت قوات سوريا الديمقراطية مجموعة من المؤسسات لتأمين المحافظة، وإعادة بنائها وإدارتها، مع التركيز بوجه خاص على المدينة التي تحمل نفس اسم المحافظة. رغم الانسحاب الجزئي المفاجئ للقوات الأميركية من الرقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وما تلا ذلك من حدوث توغل عسكري تركي، فإن الأمن، والأحوال الاقتصادية وممارسات الحكم أفضل في الرقة مما هي في مناطق أخرى في سوريا، بما في ذلك في المناطق المجاورة التي عانت بنفس المقدار في ظل حكم تنظيم الدولة الإسلامية لكن استعادتها دمشق.

إلا أن احتمال تجدد الصراع وانعدام الاستقرار يبقى قائماً. فمحافظة الرقة مقسمة إلى ثلاث مناطق، تسيطر عليها بشكل واضح قوى متنافسة، لكل منها نقاط قصورها. معظم المحافظة، بما في ذلك المدينة، تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوات ليست جزءاً من الدولة تربطها علاقات بحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم كردي يقاتل في تمرد مسلح ضد تركيا منذ عام 1984. والجزء الشمالي على الحدود التركية في أيدي فصائل سورية انتشرت بعد التوغل التركي في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وثمة جيوب صغيرة على الحدود الجنوبية الغربية للمحافظة يسيطر عليها النظام السوري، الذي تبين أنه غير قادر أو غير مستعد لتوفير الخدمات الأساسية والأمن للسكان هناك. كما توجد قوات روسية على الأرض؛ وهي لا تسيطر على مناطق، بل أقامت قواعد تسيّر منها دوريات مشتركة مع القوات التركية، ومع قوات سوريا الديمقراطية ووحدات النظام، كل على حدة، بموجب أحكام وقف إطلاق النار لعام 2019.

يمكن لأي عدد من التطورات أن يقوض الوضع الراهن بشكل عنيف. إذ يمكن للعناصر المتبقية من تنظيم الدولة الإسلامية أن تستغل غياب وجود التحالف في الرقة، ونفور السكان العرب المحليين من حكم قوات سوريا الديمقراطية أو الظروف الاقتصادية المتردية لتحقيق اختراقات على أمل التمكن من العودة. كما يمكن أن تؤدي الاحتكاكات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام على المسائل المتعلقة بالإدارة والأمن والموارد في المناطق التي يوجدان فيها معاً بشكل غير مريح أو في المناطق التي يتجاوران فيها، إلى مواجهات بينهما. تركيا، التي ترى في علاقات قوات سوريا الديمقراطية بحزب العمال الكردستاني تهديداً لأمنها القومي، يمكن أن تشن هجوماً جديداً، على سبيل المثال رداً على هجمات تنطلق من مناطق تسيطر عليها تلك القوات على قواتها أو على الفصائل التي تدعمها في الشمال.

حتى الآن، تم تفادي حدوث هذه السيناريوهات بفضل وجود قوة أميركية صغيرة إلى الشرق وبفضل الدعم الذي تقدمه لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة. في غياب اتفاق بين هؤلاء اللاعبين وقوات سوريا الديمقراطية يوفر ضمانات ذات مصداقية ضد التنافس العنيف على الأرض والموارد، ثمة احتمال كبير، إذا انسحبت الولايات المتحدة بشكل مفاجئ، أن يتردى الوضع في شمال شرق سوريا إلى حالة من الفوضى يمكن أن تُحدث أزمة إنسانية حادة وموجات هائلة من النزوح. لقد أشارت إدارة بايدن إلى أنها لا تعتزم سحب القوات الأميركية في الوقت الراهن؛ كما أن الانتقادات التي وجهت إليها بسبب انسحابها الفوضوي من أفغانستان يجعل مثل هذا التحرك أقل ترجيحاً.

وبينما يستمر انتشار القوات الأميركية، ينبغي على واشنطن والأعضاء الآخرين في التحالف الذي شُكِّل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية استخدام النفوذ الذي يوفره وجودهم في الشمال الشرقي للاستمرار في الاستثمار في استقرار المنطقة، وتشجيع إجراء مفاوضات بين الأطراف والعمل بالتوازي للتوصل إلى تفاهمات دبلوماسية من شأنها أن تدرأ حدوث تحركات عسكرية من قبل أنقرة أو دمشق إذا انسحبت الولايات المتحدة، وعندما تفعل ذلك. إن مثل تلك الجهود محورية لمعالجة المظالم والثغرات في الحوكمة التي يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية أن يستغلها. وينبغي أن يكون تقديم المساعدات مشروطاً بالتزام قوات سوريا الديمقراطية بوقف إطلاق النار والحد من احتكارها لحكم المنطقة، بما في ذلك تمكين درجة أكبر من المشاركة من قبل العرب والأكراد غير المرتبطين بقوات سوريا الديمقراطية في صنع القرار في الإدارة الذاتية والحكومة المحلية. وينبغي على الولايات المتحدة أن تدفع قوات سوريا الديمقراطية إلى ضبط هجمات المتمردين على المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال، وفي الوقت نفسه السعي إلى إقناع أنقرة بعدم التصعيد من جانبها. وفي الوقت نفسه، ينبغي على واشنطن أن تبعث بإشارات إلى جميع الأطراف المعنية – دمشق، وموسكو، وأنقرة وقوات سوريا الديمقراطية – بأن لها مصلحة في استكشاف ترتيبات من شأنها أن تحقق الاستقرار في المنطقة بطريقة مستدامة.

الرقة/أنقرة/بروكسل، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021

I. مقدمة

تحت سيطرة أربع جهات مختلفة، مع حدوث موجات من النزوح، والنهب والدمار صاحبت كل معركة. ففي آذار/مارس 2013، أصبحت مدينة الرقة أول مركز محافظة يقع تحت سيطرة المتمردين.[fn]لقد كانت الرقة واحدة من سلال الخبز الرئيسية في البلاد، تطعم الملايين. وينتج الريف المحيط بمدينة الرقة كميات كبيرة من المحاصيل، وتوجد في المحافظة صوامع حبوب كبيرة جداً. كان عدد سكان المحافظة قبل الحرب يبلغ مليون نسمة. أما الآن فلا تتوفر أرقام ذات مصداقية عن عدد السكان.Hide Footnote  وجود ولاءات قبلية متبدلة والمقاومة الضئيلة التي أبداها النظام السوري سهلت عملية السيطرة. لم يظهر المتمردون اهتماماً كبيراً بحكم المنطقة، بل إن قدرتهم على فعل ذلك كانت حتى أقل من اهتمامهم. في عام 2013، استغل تنظيم الدولة الإسلامية، وهو تنظيم عراقي اكتسب قوة إضافية وسط وحشية وفوضى الحرب الأهلية السورية، استغل الفراغ بوحشية لترسيخ وجوده؛ وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر، كان قد استوعب، أو قتل أو أخرج من المنطقة أي قوة يمكن أن تتحداه واستمال أو أرهب جزءاً كبيراً من السكان.[fn]How Raqqa Became the Capital of ISIS”, New America, 25 July 2019.Hide Footnote  بعد أربع سنوات، استعاد النظام السوري السيطرة على جيوب في جنوب وغرب محافظة الرقة، فطرد تنظيم الدولة، بينما انتزعت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف بقيادة كردية ودعم دولي، معظم المحافظة من تنظيم الدولة، وأقامت المركز الرئيسي لإدارتها في عين عيسى في الجزء الشمالي من المحافظة.[fn]Islamic State and the crisis in Iraq and Syria in maps”, BBC, 28 March 2018.Hide Footnote

رغم الإرث الدموي لحكم تنظيم الدولة والذي دام أربع سنوات والدمار الهائل الذي تسبب به التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة التنظيم، فقد ساد استقرار نسبي في المحافظة حتى أواخر عام 2019، عندما غيرت سلسلة من القرارات الأميركية المتخبطة ميزان القوى وأنشأت خطوط سيطرة جديدة.[fn]شهدت مجموعة الأزمات مستويات لا يمكن تخيلها من الدمار في مدينة الرقة وحولها خلال زيارات للمنطقة عام 2017.Hide Footnote  في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام، أمر الرئيس دونالد ترامب فجأة القوات الأميركية بالانسحاب من المنطقة، ما أتاح المجال أمام تركيا فعلياً لتنفيذ تهديداتها المتكررة بالتوغل في سوريا لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية مكوناً رئيسياً فيها.[fn]تحذير لمجموعة الأزمات "دعوة إلى وقف الهجوم التركي في شمال شرق سوريا"، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2019.Hide Footnote  وحدات حماية الشعب هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن حرب عصابات ضد الدولة التركية منذ ثلاثين عاماً، والذي صنفته تركيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تنظيماً إرهابياً. وهكذا فإن أنقرة ترى في سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – ووحدات حماية الشعب – على الأراضي والأصول الاستراتيجية في شمال شرق سوريا تهديداً لأمنها القومي يرقى إلى وجود دويلة يديرها حزب العمال الكردستاني على حدودها، بحماية من القوة الجوية الأميركية وبأسلحة تزودها بها الولايات المتحدة أيضاً.

لم تلعب القوات السورية دوراً أكثر من رمزي، إذ لم تقم بقتال فعلي يذكر.

غير الهجوم التركي الوضع الراهن وأدخل قوى متنافسة إضافية إلى المشهد في الرقة.[fn]إحاطة مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط رقم 72، تثبيت الوضع الراهن الجديد في شمال شرق سوريا، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.Hide Footnote  أدخلت تركيا فصائل سورية تدعمها للسيطرة على منطقة تل أبيض الشمالية التابعة لمحافظة الرقة.[fn]انظر Elizabeth Tsurkov, “Who are Turkey’s proxy fighters in Syria?”, The New York Review of Books, 27 November 2019.Hide Footnote  هذا التحرك دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى دعوة عدة آلاف من جنود الحكومة السورية إلى إعادة الانتشار في المنطقة في محاولة لردع تركيا وتحويل المعركة إلى معركة بين الدولتين. لقد قاومت قوات سوريا الديمقراطية عودة النظام إلى الشمال لوقت طويل لكنها كانت تواجه خياراً صعباً، بالنظر إلى احتمال أن تطغى عليها القوات التركية وشركاؤها السوريون. من الناحية العملية، لم تلعب القوات السورية دوراً أكثر من رمزي، إذ لم تقم بقتال فعلي يذكر. أُجبرت قوات سوريا الديمقراطية على الانسحاب من عدة مناطق سيطرت عليها تركيا أو أصبحت غير آمنة بسبب القصف التركي المستمر، ونقلت مقر إدارتها من عين عيسى، لكنها ظلت تسيطر على معظم محافظة الرقة إضافة إلى المناطق الأخرى في الشمال الشرقي.

أدى مزيج من سياسات العصا والجزرة الأميركية إلى وقف التقدم العسكري التركي وتجميد الوضع الراهن. في البداية، قد تكون القيادة التركية قرأت انسحاب القوات الأميركية من مناطق محاذية للحدود السورية – التركية بوصفه ضوءاً أخضر لدخول قواتها إلى سوريا. أطلقت تركيا عمليتها بعد ثلاثة أيام فقط من مغادرة الجنود الأميركيين.[fn]Trump makes way for Turkey operation against Kurds in Syria”, BBC, 7 October 2019.. قال البيت الأبيض في بيان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019 إن تركيا "ستباشر قريباً بعمليتها التي تخطط لها منذ وقت طويل في شمال سوريا"، مضيفاً أن القوات الأميركية ستتخلى عن مواقعها الموجودة في مسار التوغل المتوقع.Hide Footnote  لكن حالما بدأت العملية، هدد ترامب بـ "تدمير الاقتصاد التركي" إذا فعلت أنقرة أي شيء يعتبره "غير مقبول"؛ وفرض عقوبات على الوزارات التركية ومسؤولين أتراك كبار بأمر تنفيذي؛ وحذر من أنه سيتخذ إجراءات عقابية أخرى ما لم تلتزم تركيا بوقف إطلاق نار فوري.[fn]جمد الرئيس ترامب أصول مسؤولين أتراك في الولايات المتحدة بأمر تنفيذي وحظر مشاركتهم في معاملات يشارك فيها النظام المالي الأميركي. كما أمر برفع التعرفة الجمركية بشكل كبير على الصلب وألغى مفاوضات بشأن اتفاق تجاري مع تركيا بقيمة أكثر من 100 مليار دولار. “Trump says he will wipe out Turkey’s economy if it wipes out the Syrian Kurds”, Reuters, 9 October 2010; “Turkey-Syria offensive: US sanctions Turkish ministries”, BBC, 15 October 2019; and “Donald Trump asks Turkey for ceasefire and orders sanctions as violence escalates”, The Guardian, 15 October 2019.. أحدث قرار ترامب بالانسحاب رد فعل سلبي داخلي كبير. “Trump’s decision on Syria has already turned into a foreign policy disaster”, NBC, 14 October 2019.Hide Footnote  وفي الوقت نفسه، عرضت الولايات المتحدة رفع تلك العقوبات حالما توقف تركيا هجومها، وهو ما فعلته عندما وافق الرئيس رجب طيب أردوغان على وقف إطلاق النار في 17 تشرين الأول/أكتوبر.[fn]The United States and Turkey Agree to Ceasefire in Northeast Syria”, White House, 17 October 2019.Hide Footnote

بعد خمسة أيام، غادر أردوغان إلى سوتشي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الراعي الخارجي الرئيسي للنظام السوري، بالإضافة إلى إيران، وأحد القوى الفاعلة الرئيسية في الصراع. اتفق الرئيسان على أن تفرض تركيا سيطرة حصرية على شريط من الأرض بعمق 32 كم جنوب الحدود، ويمتد من منطقة تل أبيض في محافظة الرقة إلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة، على الحدود السورية – التركية.[fn]Turkey and Russia agree on deal over buffer zone in northern Syria”, The Guardian, 22 October 2019.Hide Footnote

باستثناء مناوشات تحدث بين وقت وآخر، فإن حالات وقف إطلاق النار ثبتت منذ ذلك الحين، إلا أن المخاطرة بتجدد التصعيد تبقى مرتفعة. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2021، تهدد تركيا بالتحرك ضد قوات سوريا الديمقراطية قرب حدودها رداً على هجمات عزتها لوحدات حماية الشعب، في حين لم تبذل هذه الوحدات جهداً يذكر لتحقيق انفراج مع تركيا من شأنه أن يحمي المنطقة من مزيد من العنف.[fn]Ankara-backed Syrian forces ‘prepared’ for Turkish operation”, Al-Monitor, 19 October 2021.Hide Footnote  النظام السوري، من جهته، يمكن أن يحاول إثارة المشاكل بين قوات سوريا الديمقراطية والمجموعات العربية أو استغلال المظالم المحلية لزعزعة استقرار المنطقة. وما تزال القيادة الكردية لقوات سوريا الديمقراطية تصارع لضمان دعم سكان المنطقة العرب الذين يشكلون الأغلبية. يشعر الرقاويون، وهم على حق، بأن مؤسسات الحكم المرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية تعمل على أساس الولاء الحزبي، لا على أساس الجدارة، وأنها تفتقر إلى الشفافية التي من شأنها أن تولد الثقة.

فإن الهدوء الحذر … يعتمد إلى حد كبير على الوجود العسكري الأميركي إلى الشرق ] الرقة[

في حين ليس للولايات المتحدة وجود مادي في الرقة، فإن الهدوء الحذر الذي يسود المحافظة الآن يعتمد إلى حد كبير على الوجود العسكري الأميركي إلى الشرق. منذ أواخر عام 2019، احتفظت الولايات المتحدة بقواعد متناثرة شرق الحسكة ودير الزور وصولاً إلى الحدود العراقية. ومن هذه القواعد تسيّر القوات الأميركية دوريات في المناطق الواقعة شرق تل تمر، في حين تسيطر الطائرات الأميركية على السماء فوق نفس المنطقة، وتنفذ أحياناً ضربات جوية على من تشتبه بأنهم عناصر في تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك خارج هذه المنطقة.[fn]الرقم الذي يذكر عند الحديث عن عدد القوات الأميركية في سوريا هو 900 جندي. إضافة إلى قواعد في الشمال الشرقي، تحتفظ الولايات المتحدة أيضاً بوجود استخباراتي في القامشلي وإضافة إلى موقع في التنف، قرب تقاطع الحدود السورية مع العراق والأردن في جنوب شرق سورية.Hide Footnote

إن استمرار الوجود العسكري الأميركي ليس أمراً مسلماً به، وقد يتبين أنه بحد ذاته ليس كافياً للمحافظة على الاستقرار في المنطقة. وقد أحجمت الولايات المتحدة عن تسهيل تسوية المواجهة بين تركيا ووحدات حماية الشعب وأوضحت رغبتها بتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط؛ كما أنها قالت إن تركيزها في سوريا يبقى على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. رغم ذلك، يبدو من غير المرجح أن تسحب إدارة بايدن القوات في وقت قريب. في الواقع، يؤكد المسؤولون أن الانسحاب غير وارد، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان وسيطرة طالبان على السلطة بعدها هناك.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين أميركيين، واشنطن، تشرين الأول/أكتوبر 2021.Hide Footnote  الأعضاء الأوروبيون في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة، من جهتهم، أبقوا جهودهم الدبلوماسية ومساهماتهم المالية في المنطقة في الحد الأدنى خشية إزعاج حليفتهم في حلف شمال الأطلسي، تركيا، وأن يفاجؤوا بانسحاب أميركي مفاجئ، وهو ما كان احتمالاً جدياً خلال إدارة ترامب.

باختصار، فإن القوة الأميركية الرمزية في شرق سوريا، إضافة إلى اتفاقي وقف إطلاق النار اللذين توسطت للتوصل إليهما الولايات المتحدة وروسيا، جمدت الصراع مؤقتاً ومنعت ما كان يمكن أن يتحول إلى أعمال قتالية أوسع تزعزع الاستقرار إقليمياً. إلا أن المنطقة لم تصبح أكثر قرباً من حل مستدام.[fn]إحاطة مجموعة الأزمات، تثبيت الوضع الراهن الجديد في شمال شرق سوريا، مرجع سابق.Hide Footnote  بترك الهواجس المتعلقة بالأمن القومي التركي إضافة إلى المسائل المتعلقة بتسوية واقعية وعملية للشمال الشرقي دون معالجة، فإن هذه الترتيبات المؤقتة تركت الباب مفتوحاً لجولات جديدة من المواجهات العسكرية من شأنها أن تقوض جهود تعزيز الاستقرار ومحاربة الإرهاب.

ينطلق هذا التقرير من الوضع الراهن الذي تَشكل في شمال شرق سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، والمضي إلى التركيز على التطورات اللاحقة في محافظة الرقة. يظهر التقرير، بعدة أشكال، أن خطوط التماس الرئيسية للصراع في سوريا، والحافلة بحالات وقف إطلاق النار الهشة والمصالح المحلية، والإقليمية والدولية المتصارعة، تظهر ممثلة في حالة مصغرة في الرقة. يستند التقرير بشكل رئيسي إلى أكثر من مئة مقابلة في سوريا، والولايات المتحدة وتركيا مع مسؤولين مدنيين وأمنيين، ومع قادة في المجتمع المحلي والمجتمع المدني، ومع عاملين في الشأن الإنساني وسكان عاديين، بما في ذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في الرقة. كما يبني على تقارير وإحاطات سابقة لمجموعة الأزمات حول الحرب السورية.[fn]المرجع السابق.Hide Footnote

II. سيطرة عسكرية متعددة الطبقات في المناطق الحدودية

بعد عامين من الانسحاب الأميركي المفاجئ من المناطق الواقعة غرب القامشلي (بما في ذلك محافظة الرقة)، ظل الأمن والإدارة في المحافظة مستقرين على نحو ملحوظ. طرح وصول قوات روسية وقوات تابعة للنظام في أجزاء من المحافظة ذات الأغلبية العربية أسئلة حول قدرة قوات سوريا الديمقراطية على الاحتفاظ بسيطرتها، لكن حتى الآن لم يتمكن أي من الأطراف من تغيير خطوط السيطرة. منذ نشر هذه القوات، لم ينجم عن تزايد الوجود الروسي أو وجود النظام توسع في إحكام قبضة النظام. وعلى نحو مماثل، فإن تركيا والفصائل السورية التي تدعمها ظلت محصورة في شريط الأرض الذي سيطرت عليه شمال الرقة. ونتيجة لذلك، فإن السيطرة على المحافظة تبقى مقسمة بين قوات متنافسة ثلاث، حيث تحتفظ قوات سوريا الديمقراطية باليد العليا على معظم أنحاء المحافظة.

A. عاد النظام وكأنه لم يعد

أثار الانسحاب الأميركي المفاجئ في عام 2019 مخاوف في سائر أنحاء الشمال السوري من أن قوات أمن النظام قد تعود لتفرض نفوذها في المناطق التي لم تكن خاضعة لسيطرتها منذ سنوات. وعندما كانت الولايات المتحدة تنسحب من قواعدها توصلت قوات سوريا الديمقراطية إلى آلية دفاع بديلة مع روسيا والنظام السوري.[fn]انظر tweet by Mutlu Civiroglu, Kurdish affairs analyst, @mutludc, 3:07pm, 13 October 2019.Hide Footnote  قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني (المعروف أيضاً بمظلوم عبدي) قال إنه زار دمشق مباشرة بعد انطلاق التوغل التركي للتوصل إلى مثل ذلك الاتفاق.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مظلوم كوباني، تشرين الأول/أكتوبر 2020.Hide Footnote  وقال إن النظام، في البداية، رفض التراجع عن مطلبه بأن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بتفكيك جهازها الأمني وتسليم جميع المناطق والمؤسسات الواقعة تحت سيطرتها إلى دمشق.[fn]Mazloum Abdi, “If we have to choose between compromise and genocide, we will choose our people”, Foreign Policy, 13 October 2019.. بعض المسؤولين السوريين، بمن فيهم وزير الخارجية، يعبرون عن عدائهم لقوات سوريا الديمقراطية، متهمين قادتها بأنهم انفصاليين وعملاء للولايات المتحدة. كما أنهم يدّعون بأن وجود قوات سوريا الديمقراطية يعطي تركيا ذريعة لاحتلالها للشريط الحدودي. انظر "النظام السوري يرفض الحوار مع الأكراد ويتهمهم بالخيانة"، دويتشه فيله، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2019.Hide Footnote  رفضت وحدات حماية الشعب هذا المطلب، وأصرت على المحافظة على وحدة وقيادة مؤسساتها المدنية والعسكرية. وقال كوباني إنه فقط بعد أن أصبح من الواضح بأن الولايات المتحدة لم تكن تعتزم الانسحاب الكامل من سوريا، قبِل النظام، بوساطة روسية، بشروط وحدات حماية الشعب.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مظلوم كوباني، 18 أيلول/سبتمبر 2020. انظر أيضاً Dareen Khalifa, “The SDF Seeks a Path Toward Durable Stability in North East Syria”, Crisis Group Commentary, 25 November 2020.Hide Footnote  وطبقاً لكوباني، فإن دمشق وافقت بعدها على إعادة انتشار جزئي للجيش السوري كجزء من ترتيب للتعاون العسكري مع قوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك في المناطق الحدودية شمال الرقة، لردع المزيد من التقدم التركي والمجموعات السورية المدعومة تركياً.[fn]المرجع السابق.Hide Footnote

احتفلت دمشق حينذاك بالاتفاق بوصفه عودة كاملة للدولة بجميع مؤسساتها إلى شمال شرق سوريا. وقال الرئيس بشار الأسد: "طبعاً لا يمكن أن يدخل الجيش السوري فقط من أجل القيام بعمل أمني عسكري بحت، دخول الجيش السوري هو تعبير عن دخول الدولة، ودخول الدولة يعني الدخول بكل الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة".[fn]"الرئيس الأسد: المحتل التركي هو وكيل الأميركي في الحرب وعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب .. دخول الجيش إلى مناطق الشمال هو تعبير عن دخول الدولة السورية"، سانا، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019.Hide Footnote  في حين أن عودة مؤسسات الدولة لم تحدث، فإن القوات السورية انتشرت في قاعدة اللواء 93 في عين عيسى شمال مدينة الرقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، بالقرب من خط التماس مع القوات التركية، وأيضاً في تل تمر. كما عرضت وسائل الإعلام السورية مقطع فيديو لوحدات الحرس الجمهوري وهي تدخل مدينتي منبج وكوباني في محافظة حلب، ووحدات أخرى في الجيش السوري، مثل الفرقة 17 وحرس الحدود، إلى مدينتي المالكية والدرباسية في محافظة الحسكة.[fn]"“People in Tal Tamr town in north-western Hasaka welcome Syrian Army units”, SANA, 14 October 2019. ". انظر أيضاً Gregory Waters, “Return to the northeast: Syrian Army deployments against Turkish forces”, Middle East Institute, 20 November 2019.. تقدر قوات سوريا الديمقراطية عدد قوات النظام في الأجزاء الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا في أيار/مايو 2021 بأنه بين 1,000 و4,000 جندي. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع قائد كبير في قوات سوريا الديمقراطية، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  أبرزت عناوين الأخبار الانتشار، لكن معظم هذه الوحدات انسحبت تالياً من المدن إلى المناطق الحدودية.

كثير من العرب يخشون أن القيادة الكردية ستبيعهم للنظام

أثار وصول القوات السورية خلال الأسبوع الأخير من تشرين الأول/أكتوبر والأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مخاوف كبيرة، اقتربت من الهلع، بين السكان.[fn]Mariya Petkova, “Raqqa residents flee amid fear of Syrian government return”, Al Jazeera, 15 February 2020.Hide Footnote  حاول السكان المحليون إيجاد السبل للهرب من البلاد أو التوصل إلى اتفاقات "مصالحة" مع دمشق – وهي ترتيبات فردية مع الفروع الأمنية للنظام للحصول على عفو يسمح للشخص بالعودة إلى بيته ومنطقته. دون توفر معلومات واضحة حول نطاق عودة النظام وتقاسم المسؤوليات بينه وبين قوات سوريا الديمقراطية، خشي السكان من الانتقام والعقاب الجماعي.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع سكان محليين في شمال شرق سوريا، تشرين الأول/أكتوبر 2019.Hide Footnote  وأعاق غياب الثقة بنوايا وحدات حماية الشعب في أوساط العرب محاولات قوات سوريا الديمقراطية طمأنتهم. كثير من العرب يخشون أن القيادة الكردية ستبيعهم للنظام في صفقة تسمح لوحدات حماية الشعب بالاحتفاظ بسيطرتها على المناطق ذات الأغلبية الكردية مقابل التخلي عن معظم محافظة الرقة مع سكانها وأغلبيتهم من العرب.[fn]مقابلات هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع وجهاء عشائريين من منبج والرقة، تشرين الأول/أكتوبر 2020. تجد هذه المخاوف صدى لها في مناطق أخرى ذات أغلبية عربية واقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مثل منبج ودير الزور.Hide Footnote

لكن على النقيض من هذه المخاوف، فإن قوات سوريا الديمقراطية حصرت بحذر عودة الجيش السوري في الشمال. على عكس المناطق في جنوب غرب سوريا، مثل درعا التي عادت إلى سيطرة الحكومة في تموز/يوليو 2018 من خلال اتفاقات عقدت بوساطة روسية بين دمشق ومجموعات المعارضة المسلحة المحلية، فإن عودة الجيش إلى أجزاء من الشمال الشرقي، بما في ذلك جنوب شرق الرقة، لم يتبعها عنف، أو اعتقالات أو ترويع.[fn]تقرير مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط رقم 196، دروس مستقاة من عودة الدولة السورية إلى الجنوب، 27 شباط/فبراير 2019.Hide Footnote

تمثل أحد أسباب العودة السلسة نسبياً للنظام في أنها كانت محدودة من حيث الحجم والقدرات. إذ تنتشر وحدات الجيش السوري في مناطق معينة على حدود المحافظة كما حددتها قوات سوريا الديمقراطية. ولا يسمح للجنود بمغادرة قواعدهم دون التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية. ويمنعون من الانخراط في القتال بشكل مستقل عن قيادة قوات سوريا الديمقراطية، ويسمح لها بتسيير دوريات في مناطق تحددها قوات سوريا الديمقراطية فحسب. كما تمنعهم قوات سوريا الديمقراطية من الدخول إلى مراكز المدن أو التفاعل مباشرة مع السكان، وبالتالي تحد من قدرتهم على القيام باعتقالات.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع قادة في قوات سوريا الديمقراطية، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020؛ أيار/مايو 2021.Hide Footnote  وقد دفع عدم الالتزام بهذه القواعد قوات سوريا الديمقراطية إلى اعتقال عدد كبير من الجنود السوريين وإحباط محاولات الجيش إقامة نقاط تفتيش للضغط على الرجال الرقاويين لإلحاقهم بالخدمة العسكرية.[fn]ذكرت مصادر محلية أنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أقام عناصر الجيش نقطة تفتيش مؤقتة على مدخل عين عيسى وبدأوا بالتدقيق في أسماء الرجال ومقارنتها بقوائم إلكترونية موجودة لديهم، ثم اعتقلوا بعض المطلوبين وآخرين بأعمار تتراوح من 18 إلى 45 عاماً من أجل الخدمة (الإلزامية أو الاحتياطية). أُطلق سراح الرجال بعد أن اشتكت أسرهم لقوات سوريا الديمقراطية، التي انخرط مقاتلوها في تبادلات مع الجنود المتمركزين في قاعدة اللواء 93. ثم أزال الجيش نقطة التفتيش وتوقف عن التحقيق مع السكان أو احتجازهم على الطرقات. مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات، الرقة، أيلول/سبتمبر 2020.Hide Footnote

كما أعاق قوات النظام التي انتشرت في الرقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضعف قدراتها الذاتية. فقد وصلت دون أن يكون لديها العتاد الكافي، وكانت غير مستعدة للانخراط في القتال المباشر مع القوات التركية أو المدعومة تركياً. تركيا، من جهتها، لم ترتدع سياسياً بوجود الجيش على الحدود، ولم تتردد في مهاجمة قوات النظام بنفس الطريقة التي حاربت بها وحدات حماية الشعب. ونتيجة لذلك، تكبد الجيش خسائر تمثلت في عشرات القتلى جراء القصف التركي وفي المعارك مع المجموعات السورية المدعومة تركياً.[fn]بسبب انتشار الجيش الواسع لمحاربة المعارضة المسلحة في وسط وشرق سورية، أرسلت دمشق خليطاً غير متجانس من الجنود إلى الشمال، حيث سحبتهم من نحو عشر فرق وألوية من سائر أنحاء البلاد بدلاً من نشر وحدات كاملة. انظر Waters, “Return to the northeast”، مرجع سابق.Hide Footnote  كما أن قلة عدد الجنود وضعف قدراتهم جعلهم يعتمدون على قوات سوريا الديمقراطية في تأمين الغذاء والوقود المجاني، وكذلك في الرواتب والدعم القتالي.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع قائد عربي في قوات سوريا الديمقراطية، الرقة، أيلول/سبتمبر 2020.Hide Footnote  كما لجأوا إلى النهب ليتمكنوا من العيش، وهو سلوك يتشاطرونه مع وحدات الجيش والقوى المرتبطة بها في مناطق أخرى من البلاد.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع عناصر أمن داخلي مرتبطين بقوات سوريا الديمقراطية، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020. لمراجعة روايات عن النهب الذي مارسته قوات النظام في مناطق أخرى، انظر Rafya Salamah, “The looting years”, Al-Jumhuriya (Damascus), 24 October 2018.Hide Footnote  استمر هذا الوضع إلى أن بدأت روسيا بتمرير الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى وحدات الجيش في الشمال الشرقي، بما في ذلك المناظير الحرارية الليلية والصواريخ الموجهة ضد الدبابات.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول في قوات سوريا الديمقراطية، القامشلي، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  مع ذلك، فقد احتفظت قوات سوريا الديمقراطية باليد العليا وأبقت قوات النظام تحت سيطرة محكمة.

الرقة لم تكن...على عكس أجزاء أخرى من شرق سوريا...مركزاً للنشاط الداعم للمعارضة

لقد حاولت دمشق أن تكسب القلوب والعقول في المناطق التي انتشرت فيها قواتها في الرقة لكن يبدو أنها لم تنجح كثيراً حتى الآن. على عكس أجزاء أخرى من شرق سوريا، مثل دير الزور، فإن الرقة لم تكن، على مدار الحرب، مركزاً للنشاط الداعم للمعارضة، الأمر الذي أقلق قوات سوريا الديمقراطية من أن جهود النظام قد تنجح. كما رفعت طموحات النظام لاستعادة النفوذ في الرقة بعد هزيمة تنظيم الدولة عام 2017، خصوصاً بعد أن تمكن من نشر قواته هناك عام 2019.[fn]تابع النظام السوري جهوده لكسب دعم القبائل في الرقة. في كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت دمشق أن مسؤوليها كانوا قد اجتمعوا مع القبائل في منطقة أثريا (125 كم جنوب مدينة الرقة)، بحضور المئات من الشخصيات القبلية الداعمة للنظام. انظر “The Role of Syrian Tribes: Betting on a Lost Cause”, Washington Institute for Near East Policy, 26 March 2021.Hide Footnote  اجتمع كبار مسؤولي النظام مع رجال قبائل رقاويين لاستمالتهم، لكن دون جدوى، على ما ذُكر.[fn]Ali Mamlouk calls on the Jazira tribes to defect from SDF”, Enab Baladi, 6 December 2019.Hide Footnote  كما قام قادة الجيش السوري بعدة زيارات إلى ريف الرقة طوال عام 2020 لإظهار نفوذ النظام، ونشرت وسائل الإعلام الموالية للنظام بشكل منتظم شائعات بشأن السيطرة الحكومية الوشيكة على الرقة لتشجيع الانشقاقات عن قوات سوريا الديمقراطية ورفع المعنويات في صفوف الجيش السوري.[fn]في أحد الأمثلة، قام العميد سهيل الحسن، قائد الفرقة 25 مهام خاصة، المعروفة أيضاً بقوات النمر، بزيارة مفاجئة إلى الريف الغربي للرقة الواقع تحت سيطرة النظام، في إشارة إلى أن النظام قد يقوم بتحرك عسكري على الرقة. “Why did Suheil al-Hassan visit Raqqa?”, The Syrian Observer, 8 July 2020.Hide Footnote  قيادة وحدات حماية الشعب تعلم بهذه المحاولات لإبعاد السكان عن قوات سوريا الديمقراطية، لكنها لم تتمكن من وقفها.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع الرئيسة المشاركة للمجلس المدني في الرقة، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote

كما تعتقد وحدات حماية الشعب وكثير من السكان المحليين أيضاً بأن النظام يحاول بنشاط زعزعة استقرار المناطق الواقعة خارج سيطرته في الرقة بتأجيج المظالم في أوساط العرب، والتشجيع على الانشقاق عن قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم احتجاجات معادية لها.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية ومع ممثلين عن السكان العرب المحليين، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  لقد حاولت قوات سوريا الديمقراطية إعاقة مثل هذه الخطط باعتقال المحرضين المزعومين وتكثيف تواصلها مع العرب لطمأنتهم بأن قبضتها محكمة.[fn]انظر Patrick Haenni and Arthur Quesnay, “Surviving the Aftermath of Islamic State: The Syrian Kurdish Movement’s Resilience Strategy”, European University Institute, 7 August 2020.Hide Footnote  تدعي وحدات حماية الشعب وبعض الشخصيات العشائرية بأن النظام – وأيضاً بقايا خلايا تنظيم الدولة – يدفعون للناس لزرع عبوات متفجرة، وشن هجمات كرّ وفرّ وإشعال حرائق في الأراضي الزراعية.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية وشخصيات عشائرية، شمال شرق سوريا. تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  بصرف النظر عن صحة مثل تلك الاتهامات، فإنها أصبحت واسعة الانتشار إلى درجة أنها تغذي المشاعر المعادية للنظام في الرقة.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع رقاويين، تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أيار/مايو 2021. كما ألمحت القيادة في دمشق إلى قدرتها على إثارة المقاومة المحلية لما وصفته بأنه قوة محتلة في الشمال الشرقي. انظر tweet by Elizabeth Tsurkov, analyst, @Elizrael, 4:35am, 12 March 2020.Hide Footnote

ا] الرقاويون [ يمكن أن يرحبوا بعودة الخدمات الإدارية للدولة، فإنهم خائفون من خضوعهم مرة أخرى لقمع النظام.

يبدو أن الشعور العام في الرقة هو أنه في حين أن الناس يمكن أن يرحبوا بعودة الخدمات الإدارية للدولة، فإنهم خائفون من خضوعهم مرة أخرى لقمع النظام. أحد وجهاء الرقة عبر عن ذلك على النحو الآتي:

لا يريد سكان الرقة عودة شعبة التجنيد، أو القواعد العسكرية، أو الفروع الأمنية، أو فروع حزب البعث أو الشرطة. يريدون الأختام الرسمية الحكومية لإكمال أوراقهم الإدارية؛ ولا يريدون قمع وفساد نظام الأسد.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الرقة، آذار/مارس 2020.Hide Footnote

كما يعرف السكان المحليون بدقة الوضع في الأجزاء الخاضعة لسيطرة النظام في الرقة. كثيرون ممن يعيشون في تلك المناطق يعبرون خط السيطرة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بحثاً عن الفرص الاقتصادية. وكثيراً ما يعبر الطلاب من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية إلى الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة من الرقة للتقدم بامتحاناتهم في المدارس المعترف بها من قبل الحكومة. كما يتنقل الناس كثيراً في الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة في الرقة في طريقهم لتلقي الرعاية الطبية في دمشق.[fn]انظر Hussam al-Omar, “Iran-backed militias wreaking havoc on Raqqa countryside – locals demanding liberation”, Enab Baladi, 30 April 2021.Hide Footnote  مُزارع من بلدة معدان الخاضعة لسيطرة النظام، والواقعة على بعد 60 كم من الرقة على نهر الفرات قال: "عندما عادت الحكومة إلى مناطقنا، توقعنا منها أن تقدم لنا الخدمات الأساسية. لم يحدث هذا. بدلاً من ذلك، أقامت فروعاً أمنية وجندت الشباب، بينما استمر النهب والابتزاز".[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، معدان، الرقة، أيلول/سبتمبر 2020.Hide Footnote  مناطق جنوب الرقة التي دمرتها قوات النظام والقوات المتحالفة معها خلال حرب 2017 ضد تنظيم الدولة الإسلامية لم يُعد بناؤها وما تزال غير آمنة. ويشتكي الناس في بلدات وقرى الرقة الخاضعة لسيطرة النظام، بما في ذلك الرصافة، ومعدان، والسبخة، من أعمال السرقة، والابتزاز والقتل التي يرتكبها مسلحون مجهولون.[fn]مقابلات وملاحظات لمجموعة الأزمات، 2020-2021.Hide Footnote

باختصار، وعلى عكس تصريحات الأسد في عام 2019، فإن انتشار الجيش في الرقة لم يؤدِّ إلى عودة الخدمات الحكومية ولا استعادة سيادة النظام. بدلاً من ذلك، فإنه كشف عدم التوازن في القوى في الشمال الشرقي بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة ما تزال تتمتع بالدعم الأميركي. في حين أن دمشق تحظى بالنفوذ لدى بعض القبائل المحلية، فإن قدرتها على إبعاد هذه القبائل عن السلطة الحاكمة بحكم الأمر الواقع تبدو محدودة طالما ظل انعدام التوازن قائماً.

B. دور روسيا المحدود

لم يوفر انسحاب واشنطن الجزئي من شمال سوريا، بما في ذلك الرقة، سوى فرصة محدودة بشكل عام لموسكو لتوسيع حضورها. تمكنت روسيا من فرض نفسها دبلوماسياً في المنطقة عبر التوسط للتوصل إلى ترتيب دفاعي بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق ووقف الأعمال القتالية مع تركيا. كما احتلت عناوين الأخبار بسيطرتها على القواعد التي كانت الولايات المتحدة قد أخلتها عام 2019. لكن قواتها فشلت في فرض سيطرة فعلية في أحداث لاحقة.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في قوات سوريا الديمقراطية، أيار/مايو 2021. انظر أيضاً Brian Katulis, “Russian flags over an American base”, Center for American Progress, 6 December 2020.Hide Footnote  بعد سنتين من ذلك تقريباً، فإن قدرة موسكو على توسيع نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة ظل محدوداً، على الأقل جزئياً بسبب احتفاظ الولايات المتحدة بالقوات المتبقية هناك بدلاً من الانسحاب الكامل.

كما يمكن القول إن محاولات روسيا إخراج الولايات المتحدة من الشمال الشرقي أحدثت أثراً عكسياً. ففي عدة مناسبات في عام 2020، اقتربت العربات العسكرية الروسية بشكل لصيق من العربات المدرعة الأميركية، ما تسبب بإصابات بين الجنود الأميركيين في أحد الحواجز في محافظة الحسكة في آب/أغسطس 2020.[fn]وقع الحادث في ديريك قرب المالكية، وهي مدينة قريبة من الحدود التركية والعراقية. “Syria war: American troops hurt after Russian and US military vehicles collide”, BBC, 27 August 2020؛ وLolita Baldor and Robert Burns, “Vehicle collision with Russians injures 4 US troops in Syria”, ABC News, 26 August 2020.. فيديو يصور الحادث متوفر في تغريدة لطالب الدكتوراه روب لي Rob Lee, @RALee85, 10:05am, 26 August 2020.Hide Footnote  بيرت ماكغورك، المبعوث الأميركي الخاص إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة خلال إدارة ترامب (ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً)، قال على تويتر حينذاك، "هذه الحوادث مستمرة منذ أشهر"، وحمّل مسؤوليتها لما وصفه "قرار ترامب المتهور بالانسحاب" في تشرين الأول/أكتوبر 2019.[fn]Tweet by Brett McGurk, (then former) U.S. official, @brett_mcgurk, 1:32pm, 26 August 2020.. كان ماكغورك قد استقال بسبب قرار الانسحاب.Hide Footnote  قد تكون موسكو قد هدفت إلى تعقيد الوجود الأميركي في سوريا وتأكيد حدس أولئك المسؤولين في واشنطن الذين يفضلون انسحاباً أميركياً كاملاً من سوريا، لكن بدلاً من ذلك دفعت الحوادث الولايات المتحدة إلى إرسال المزيد من القوات والمواد اللازمة لحماية القوات في أيلول/سبتمبر 2020.[fn]Syria war: US deploys reinforcements to Syria after Russia clashes”, BBC, 19 September 2020.. تدعي الولايات المتحدة أن لديها 900 جندي على الأرض، لكن هذا الرقم قد لا يكون دقيقاً. انظر David S. Cloud, “Inside U.S. troops’ stronghold in Syria, a question of how long Biden will keep them there”, Los Angeles Times, 12 March 2021.Hide Footnote  وذلك، بالمقابل، يبدو أنه أقنع روسيا بوقف مثل تلك الحوادث.

باستثناء التوسط للتوصل إلى الترتيب الدفاعي المحدود في تشرين الأول/أكتوبر 2019، في وقت كانت فيه وحدات حماية الشعب تواجه تهديداً كبيراً لوجودها في شمال سوريا، وأحياناً في تسوية المواجهات المحلية بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام، فإن محاولات موسكو للتوسط في تسوية بين وحدات حماية الشعب ودمشق لم تكن ناجحة. المسؤولون الروس يحملون المسؤولية عما يصفونه بالموقف التفاوضي المتشدد لوحدات حماية الشعب حيال دمشق، والذي يرون أنه نتيجة لثقة الوحدات باستمرار الحماية الأميركية.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع دبلوماسي روسي، جنيف، آذار/مارس 2020.Hide Footnote  وحدات حماية الشعب، بدورها، تصور موقف دمشق على أنه غير مرن ولا تعبر عن ثقة كبيرة بالضمانات الروسية للاتفاقات التي توسطت روسيا فيها، استناداً إلى عدم قدرة روسيا أو عدم استعدادها للوفاء بوعودها في أجزاء أخرى من سوريا، حيث قبلت مجموعات المعارضة بما يسمى اتفاقات المصالحة التي تم التفاوض عليها برعاية موسكو فقط لتواجه عمليات خطف واعتقال عشوائية.[fn]من منظور وحدات حماية الشعب، فإن حوادث الاعتقال والاختفاء المتكررة في درعا تبرز عدم إمكانية الركون إلى الالتزامات الروسية وبالتالي أهمية المحافظة على القدرات العسكرية لحماية نفسها. انظر الحاشية 99 في تقرير مجموعة الأزمات، دروس مستقاة من عودة الدولة السورية إلى الجنوب، مرجع سابق.Hide Footnote  إضافة إلى ذلك، فإن أي ثقة قد تكون وجدت بين وحدات حماية الشعب وروسيا تبددت بعد منح موسكو الضوء الأخضر للهجوم التركي على منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا في مطلع عام 2018، وهو ما لم تنسه وحدات حماية الشعب.[fn]كانت عفرين تاريخياً معقلاً لوحدات حماية الشعب، وهي منطقة ذات أغلبية كردية تحظى فيها وحدات حماية الشعب وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بدعم شعبي واسع. قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني قال: "تشكل عفرين ثلث روجافا [المنطقة الكردية من سورية]. لدينا آلاف الأسر الكردية المهجرة بسبب الغزو التركي ولا تستطيع العودة إلى بيوتها. نتعرض لضغط كبير [من شعبنا] بسبب هذا". مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الحسكة، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote

المسؤولين الأتراك بدأوا يعبرون عن الإحباط حيال ما يعتبرونه وعداً ]الموسكو [ لم يتم الوفاء به.

تركيا، من جهتها، تتهم روسيا بأنها لم تفِ بوعودها كاملة في شمال شرق سوريا.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول تركي رفيع، أنقرة، كانون الثاني/يناير 2021.Hide Footnote  طبقاً لاتفاق وقع في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بين أنقرة وموسكو، تسهل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إخراج مقاتلي وحدات حماية الشعب وأسلحتها من المناطق الواقعة على الحدود التركية – السورية وبعمق 30 كم.[fn]Memorandum of Understanding Between Turkey and the Russian Federation”, Russian Presidential Office, 22 October 2019.Hide Footnote  المسؤولون الروس يقولون إنهم وفوا بذلك التعهد، لكن المسؤولين الأتراك ومسؤولي وحدات حماية الشعب يردون بأن موسكو لم تحاول إقناع وحدات حماية الشعب بالتخلي عن سيطرتها على المنطقة الحدودية.[fn]يدعي المسؤولون الأتراك أنهم عندما سألوا نظراءهم الروس بشأن وجود وحدات حماية الشعب في المنطقة الحدودية، ردوا بالقول إنهم أخرجوا وحدات حماية الشعب بشكل كامل – وهو ادعاء غير صحيح طبقاً للمسؤولين. مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين أتراك، أنقرة، كانون الثاني/يناير 2021.Hide Footnote  كما ينص الاتفاق الروسي – التركي على ما يلي: "سيتم إخراج جميع عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم من منبج وتل رفعت".[fn]Memorandum of Understanding Between Turkey and the Russian Federation”، مرجع سابق.Hide Footnote  لكن حتى الآن، تستمر وحدات حماية الشعب بالعمل في جميع المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا غير الخاضعة للسيطرة التركية؛ كما تسيطر على منبج وبقيت موجودة بجوار قوات النظام في تل رفعت.[fn]تشير زيارات مجموعة الأزمات إلى شمال شرق سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وأيار/مايو 2021 إلى أن وحدات حماية الشعب ما تزال موجودة في منبج في جميع المناطق الواقعة شرق الفرات باستثناء أجزاء سيطرت عليها تركيا في تشرين الأول/أكتوبر 2019.Hide Footnote  كما تقصف وحدات حماية الشعب بشكل منتظم المناطق الخاضعة للسيطرة التركية من مناطق واقعة تحت الحماية الروسية، مثل تل رفعت، حيث قتلت ضابطين تركيين في تشرين الأول/أكتوبر 2021.[fn]Erdogan says latest Kurdish YPG attack on Turkish police is ‘final straw’”, Reuters, 11 October 2021.Hide Footnote  في حين أن أنقرة لم تقل الكثير في البداية عن عدم التزام موسكو بجانبها من الصفقة، فإن المسؤولين الأتراك بدأوا يعبرون عن الإحباط حيال ما يعتبرونه وعداً لم يتم الوفاء به.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول تركي، نيسان/أبريل 2020. مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين أتراك، أنقرة، كانون الثاني/يناير 2020. الخلاف التركي – الروسي في الشمال الشرقي يشبه الوضع في إدلب، حيث تشتكي موسكو مما ترى فيه جهود تركية غير كافية لمحاربة هيئة تحرير الشام المهيمنة محلياً. انظر تقرير مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط رقم 213، إسكات البنادق في إدلب السورية، 14 أيار/مايو 2020.Hide Footnote

تمكنت روسيا من تحقيق مكسب واضح في تشرين الأول/أكتوبر 2019. فقد فرضت سيطرتها على أجزاء من طريق M4 الاستراتيجي الذي يربط حلب بالشمال الشرقي. لقد كان الـ M4 ممراً حيوياً للتجارة والمساعدات الإنسانية إلى الرقة من شمال العراق. كما أنه كان الممر الرئيسي للإمدادات العسكرية من معقل وحدات حماية الشعب في القامشلي إلى الرقة. وقد أجبرت وحدات حماية الشعب على تسليم السيطرة على أجزاء من الطريق إلى روسيا لحمايته من الضربات التركية، رغم أن الهجمات على الـ M4 من الجانب الذي تسيطر عليه تركيا استمرت بشكل متقطع، فتعطل حركة المرور وفي كثير من الأحيان تجعل الطريق غير آمن، بما في ذلك للقوافل التجارية والعسكرية التي  ترافقها قوات روسية.[fn]Fighting continues over flashpoint town in northern Syria”, Voice of America, 5 January 2021.Hide Footnote

باستثناء هذا المكسب، فإن القوات الروسية وقوات النظام لم تتمكن من توسيع وجودها. ورغم محاولة ترامب الفوضوية للانسحاب، يبدو أن موسكو تعتقد أن من المرجح أن تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في سوريا في المستقبل المنظور.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول روسي، أنقرة، أيلول/سبتمبر 2021.Hide Footnote  وبالفعل فإن بعض كبار المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى أنهم يرون في الوجود العسكري الأميركي في سوريا ضرورة لدرء ذلك النوع من العنف الذي من شأنه أن يهدد شريك واشنطن المحلي، أي قوات سوريا الديمقراطية، وزعزعة استقرار المنطقة، وربما تمكين تنظيم الدولة الإسلامية من العودة للظهور.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين أميركيين، شمال شرق سوريا، أيار/مايو 2021. في إشارة إلى الالتزام الأميركي ببقاء القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، قام مساعد وزير الخارجية الأميركية بالوكالة جوي هوود، بصحبة نائب مساعد وزير الخارجية، والممثل الخاص إلى سورية بالوكالة، ونائب المبعوث إلى سورية ومدير قسم العراق وسورية في مجلس الأمن القومي، بزيارة إلى المنطقة في أيار/مايو 2021 لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، إضافة إلى كبار الأعضاء في المجلس المدني وزعماء عشائر. انظر “Acting U.S. Assistant Secretary Joey Hood Travels to North East Syria”, U.S. Department of State, 17 May 2021.Hide Footnote  وبالتالي، يبدو أن موسكو أكثر تركيزاً على المحافظة على وجودها الحالي من محاولتها توسيعه.

C. تحديات الحوكمة

على أساس خطوط السيطرة العسكرية، يُقسم الحكم في الرقة إلى ثلاث مناطق، لكل منها نظام عام وتواجه جملة معقدة من التحديات. تحكم دمشق جيوباً جنوب المحافظة تحاذي نهر الفرات، وقد أنشأت المجموعات السورية المدعومة تركياً مجالس حكم خاصة بها في منطقة تل أبيض (وكذلك في رأس العين والحسكة) بدعم مباشر من تركيا، في حين أن المجالس المحلية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية تستمر في حكم معظم محافظة الرقة بدعم من الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف الدولي. يسمح الوجود الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية بتخصيص الموارد ودفع النفقات التشغيلية للإدارة الذاتية. كما تقوم الولايات المتحدة والتحالف بتدريب وتجهيز قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية أيضاً. إضافة إلى ذلك، فإن قوات سوريا الديمقراطية تحصل على دعم سياسي ودبلوماسي عبر الانخراط مع الولايات المتحدة وأعضاء التحالف الآخرين.

لقد أسست وحدات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد إدارة فعالة نسبياً في المحافظة ذات الأغلبية العربية، إلا أن حكمها لم يكن دون نواقص. وتتمثل المشاكل الرئيسية، كما لاحظها السكان المحليون، في النفوذ الطاغي للكوادر المدربة على يد حزب العمال الكردستاني على صنع القرار الإداري، وعدم شفافية المشاريع المرتبطة بالحزب التي تحقق عائداً مالياً، وسياسات معينة، مثل التجنيد الإجباري وتخفيض الدعم للخبز والوقود، والفساد المتصوَّر على المستوى المحلي. لقد أدت هذه السمات لحكم قوات سوريا الديمقراطية أحياناً إلى تنفير السكان المحليين وأثارت الاضطرابات.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع عرب وأكراد في سائر أنحاء شمال شرق سوريا، تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وأيار/مايو 2021.Hide Footnote

الرقة شهدت تحولاً ملحوظاً منذ عام 2017.

ما لا يمكن إنكاره هو أن الرقة شهدت تحولاً ملحوظاً منذ عام 2017. فقد حوّل الاستخدام الطاغي للتحالف الدولي للقوة الجوية في معركته ضد تنظيم الدولة الإسلامية نحو 70% من مدينة الرقة ومحيطها إلى ركام وأفرغ المدينة من سكانها. تحدث السكان عن دمار على نطاق مرعب.[fn]تقول مصادر محلية إن الدمار في الأحياء الرئيسية في المدينة وصل إلى ما بين 60 و70%، وفي بعض المناطق مثل الثكنة والفردوس إلى 80%، وفي مناطق أخرى إلى 40%، كما في شارع المنصور، أو 20%، كما في شارع هشام بن عبد الملك. مقابلات هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات، حزيران/يونيو 2021. ملاحظات من زيارة مجموعة الأزمات في تشرين الأول/أكتوبر 2017 أكدت أن الدمار كان هائلاً.Hide Footnote  بدعم من الولايات المتحدة والتحالف، بدأت قوات سوريا الديمقراطية باستعادة الخدمات الأساسية إلى المدينة ومحيطها على حد سواء، وعملت مع عدد من المنظمات المحلية الممولة غربياً.[fn]في حين أن قوات سوريا الديمقراطية لم تنشر موازنتها لشمال شرق سوريا، فإن مسؤولي القوات قالوا في مجالسهم الخاصة إن النفقات التشغيلية للإدارة الذاتية، بما في ذلك رواتب موظفي الخدمة المدنية، تبلغ نحو 45 مليون دولار شهرياً. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في الإدارة الذاتية، الرقة، آذار/مارس 2019. كما ألمحت قوات سوريا الديمقراطية إلى أن المصدر الرئيسي لدخلها يتمثل في عائدات بيع النفط الذي تستخرجه في شرق سورية إلى نظام دمشق عبر رجال أعمال سوريين. مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين في الإدارة الذاتية، القامشلي، تشرين الثاني/نوفمبر 2020. في حين لا يوجد هناك أرقام رسمية، فإن بعض المراقبين يقدرون أن قوات سوريا الديمقراطية تبيع نحو 30,000 برميل نفط  يومياً. مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول أميركي سابق، تموز/يوليو 2021.Hide Footnote

يوظف المجلس المدني للرقة، وهو الهيئة الإدارية الحاكمة المرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية، ويدفع رواتب أكثر من 9,000 موظف، بمن فيهم المدرسون.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع ليلى مصطفى، الرئيسة المشاركة للمجلس المدني في الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  وقد ارتفع هذا الرقم مع تردي الظروف الاقتصادية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ما دفع الناس إلى البحث عن فرص في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، بحيث تدفع الإدارة الذاتية رواتب أعلى بعشر مرات من الرواتب التي يدفعها النظام في المناطق التي يسيطر عليها. بدعم من الولايات المتحدة، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية أيضاً من إعادة المياه والكهرباء إلى نحو 70% من المحافظة. ويشهد الرقاويون بأنه حتى الاستثمارات الغربية المحدودة في الرقة، مثل تركيب إضاءة في الشوارع، قلصت الجريمة والهجمات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية بشكل كبير.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين عن المجتمع المدني، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote

يشتكي الرقاويون … من أن الموظفين التكنوقراط المؤهلين فقدوا مناصبهم الرفيعة لصالح أكراد ... ]اللذي[ لديهم خلفية عسكرية.

رغم هذه التحسينات، فقد تعرضت قوات سوريا الديمقراطية لانتقادات محلية كثيرة. ففي حين أنها وظفت عشرات آلاف السكان المحليين (من خلفيات أثنية وانتماءات سياسية متنوعة) للعمل في المؤسسات المدنية وتلك المرتبطة بالجانب العسكري، فإنها أحجمت عن تفويض الصلاحيات لها بشكل يتجاوز التعاملات الإدارية اليومية. أما صنع القرار فيما يتعلق بالمسائل المهمة فيظل سرياً، حيث تعود السلطة النهائية لعدد محدود من الكوادر المدربة على يد حزب العمال الكردستاني والمعينة من قبل الحزب في اجتماعات مغلقة.[fn]تقدر تركيا أن هناك نحو 2,500 من الكوادر التي دربها حزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول تركي رفيع، أنقرة، حزيران/يونيو 2021.Hide Footnote  تضع هذه الكوادر موازنة الإدارة، وتعين قادة المناطق والقادة على الجبهات، وتشرف على توزيع الإمدادات العسكرية والتنسيق مع التحالف الدولي.[fn]ملاحظات لمجموعة الأزمات خلال زيارات عديدة لشمال شرق سوريا منذ عام 2016.Hide Footnote  يشتكي الرقاويون بشكل خاص من أن الموظفين التكنوقراط المؤهلين فقدوا مناصبهم الرفيعة لصالح أكراد يرتبطون بعلاقات مع وحدات حماية الشعب و/أو حزب العمال الكردستاني ولديهم خلفية عسكرية.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين عن المجتمع المدني، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  على سبيل المثال، يشير السكان إلى حقيقة أن الرئيسة الكردية للمجلس المدني في الرقة تشغل منصبها منذ تأسيس المجلس، في حين خدم عدة رؤساء مشاركين عرب، تبدو أدوارهم بشكل عام تجميلية، لفترات قصيرة فقط.

كما يشتكي السكان أيضاً من الطريقة غير الشفافة التي وزعت فيها وحدات حماية الشعب الموارد التي تحصل عليها من الضرائب ومن سيطرتها على موارد النفط والغاز في الشمال الشرقي ومن التجارة عبر الحدود مع العراق، إضافة إلى الدعم الدولي (الذي يمر بشكل رئيسي عبر الحكومة الأميركية) لتحقيق الاستقرار في المناطق التي انتزعت من تنظيم الدولة الإسلامية. ويدعي المقاولون العرب، على سبيل المثال، أن موازنات الأشغال العامة يتم تضخيمها أحياناً، ما يسمح للكوادر الكردية أو آخرين في الإدارة باقتطاع جزء كبير من الأموال المخصصة.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  وتنتشر التصورات عن وجود فساد على نطاق واسع. في حين قد يكون من الصعب التحقق من الادعاءات، فإن التصور بحد ذاته يمكن أن يلحق ضرراً مماثلاً للفساد الفعلي ويكشف عن فقدان عام للثقة في طريقة الحكم أو مشاعر عامة بالإقصاء.

فإن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت حتى الآن من إدارة الإحباط المحلي حيال حكمها في الرقة.

رغم ذلك، فإن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت حتى الآن من إدارة الإحباط المحلي حيال حكمها في الرقة بمعالجة التوترات بين الإدارة المحلية والسكان بمرونة لم تبدها في بعض المناطق الأخرى التي تسيطر عليها، مثل أجزاء من دير الزور. لقد أسهم الاهتمام الدولي والموارد المقدمة للرقة، واستخدام قوات سوريا الديمقراطية لمحاورين أكراد يحظون بالاحترام (غير الموجودين دائماً، على سبيل المثال في دير الزور) الذين عملوا كمسؤولي ارتباط موثوقين، في نجاحها. ينظر الرقاويون بشكل خاص بإيجابية إلى أحد كبار كوادر وحدات حماية الشعب الذي، رغم أنه لا يشغل منصباً رسمياً في الإدارة المدنية في الرقة، أصبح الشخص الذي يراجعونه لتسوية جميع القضايا المتعلقة بالإدارة. وكونه يعيش في الرقة منذ عام 2017، فقد أصبح معتاداً على التقاليد المحلية والديناميكيات القبلية – وهي ميزة مهمة.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين للمجتمع المدني، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote

بشكل عام، فإن ترسخ مواقع الكوادر السورية المدربة على يد حزب العمال الكردستاني في المنطقة وانخراطهم في ثقافة المجتمعات المحلية أصبح واضحاً على نحو متزايد في سائر أنحاء الشمال الشرقي. إلا أن المشاعر الشعبية ضد منح قوات سوريا الديمقراطية الانتماء الحزبي لا الجدارة الأولوية على مستويات الإدارة العليا ما يزال سائداً ومن شأنه أن يثير توترات إثنية وسياسية في غياب إصلاحات بنيوية للإدارة من شأنها أن تفوض صلاحية صنع القرار للكوادر المحلية.[fn]في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عقدت الإدارة الذاتية مؤتمراً في الحسكة حضره ممثلون عن المجتمع المدني والعشائر من سائر أنحاء شمال شرق سوريا لتتويج سلسلة من الاجتماعات المحلية. ونتيجة لهذه المشاورات، اتفقوا على إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى تفويض عملية صنع القرار في الإدارة المحلية. ملاحظات لمجموعة الأزمات، الحسكة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote

إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي الإجمالي المتدهور في سوريا ألقى بظلاله على الإدارة الذاتية. فقد كان للتضخم المفرط والتدني الحاد لقيمة الليرة السورية – مضافاً إليها العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام – أثره على شمال شرق سوريا، ما أدى إلى انخفاض حاد في القدرة الشرائية. وللاستجابة للأزمة، زادت الإدارة الذاتية رواتب موظفي الخدمة المدنية بنحو 100%. لكن بعد شهرين فقط من رفع الرواتب أصدرت قراراً بزيادة أسعار الوقود بنحو 200%.[fn]في 17 أيار/مايو، ارتفع سعر البنزين من 150 إلى 400 ليرة لليتر، وسعر أسطوانات غاز الطبخ من 2,500 إلى 8,000. انظر “Northeast Syria Social Tensions and Stability Monitoring Pilot Project May 2021”, COAR Global, 30 June 2021.Hide Footnote  أثار ارتفاع الأسعار احتجاجات حادة، مع قيام المتظاهرين بإغلاق الطرق ومهاجمة مكاتب قوات سوريا الديمقراطية، ما دفع الإدارة إلى العودة عن قرارها.[fn]انظر Wladimir van Wilgenburg, “Following protests, Kurdish-led authorities in northeast Syria overturn fuel price increase”, Kurdistan 24, 19 May 2021.. تبلغ أسعار البنزين المدعوم، الذي يذكر أنه ذو جودة متدنية، بين 200 و250 ليرة سورية ($0.07) لليتر. أما البنزين ذو الجودة الأعلى والذي يهرَّب من إقليم كردستان العراق فيباع بعشرة أضعاف هذا السعر.Hide Footnote

إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الكلية هناك نقص غير مسبوق في المياه في المنطقة. يذكر أن نهر الفرات تراجع إلى مستويات متدنية بشكل حرج مع تداعيات كبيرة على إنتاج القمح.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع سكان، الرقة، أيار/مايو 2021. مسؤول في الإدارة الذاتية قال إن النهر في الرقة كان قد انخفض خمسة أمتار بحلول أيار/مايو 2021، مقارنة بمستوى مياهه قبل عام. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الحسكة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  لقد كان لانخفاض مستوى المياه أثر عكسي على القدرة الكاملة لتوليد الطاقة الكهربائية في سد تشرين، الأمر الذي يتسبب بانقطاع الكهرباء في سائر أنحاء شمال شرق سوريا.[fn]انظر “No Peace for the Dammed: Alarming Water Scarcity in Northeast Syria”, COAR Global, 10 May 2021.Hide Footnote  تدعي قوات سوريا الديمقراطية بأن تركيا المجاورة تمنع تدفق المياه عمداً في أعالي النهر للضغط على قوات سوريا الديمقراطية وزعزعة استقرار المنطقة التي تسيطر عليها.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع ليلى مصطفى، الرئيسة المشاركة للمجلس المدني في الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  لكن الخبراء يقولون إن الجفاف في تركيا والاحترار العالمي يشكلان أسباباً رئيسية لنقص المياه.[fn]انظر “No Peace for the Dammed”، مرجع سابق.Hide Footnote  ألحق التراجع الخطير في توفر المياه الضرر بقدرة قوات سوريا الديمقراطية على توفير مياه الشرب والكهرباء والخبز، بين خدمات أساسية أخرى، للسكان. سكان في مدينة الرقة قالوا إن المدينة تتلقى الكهرباء لسبع ساعات فقط يومياً في حزيران/يونيو 2021، مقارنة بـ 2020، عندما كانت تحصل على الكهرباء لمدة 14 ساعة يومياً.[fn]مقابلات هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات، حزيران/يونيو 2021.Hide Footnote  مثل هذه المشاكل المتعلقة بالإمدادات تتسبب في اتساع دائرة الاستياء.

كما أن ممارسات قوات سوريا الديمقراطية في التجنيد واجهت إشكاليات أيضاً. في محاولة لتخفيف رد الفعل الشعبي، لم تفرض قوات سوريا الديمقراطية التجنيد الإجباري في مدينة الرقة عندما دخلتها في البداية، لكنها تجند الرجال المولودون في الفترة 1990-2003 في أجزاء أخرى من المحافظة. وهكذا يخشى الشباب أن يفرض عليهم الالتحاق بالخدمة إذا غادروا المدينة. في عام 2021، بدأت قوات سوريا الديمقراطية بتجنيد الرجال الشباب من المدن ذات الأغلبية العربية مثل الرقة ومنبج. وقد أثار التجنيد الإجباري الذي شمل المدرسين والطواقم الطبية غضب الناس، وأدى إلى خروج مظاهرات في سائر أنحاء شمال شرق سوريا طوال عام 2021.[fn]انظر حسن القصاب، "حملة ’قسد‘ للتجنيد الإجباري في الرقة تهدد بعدم استقرار ونزوح جديدسوريا على طول، 16 آذار/مارس 2021.Hide Footnote  قوبلت بعض هذه الاحتجاجات بقمع عنيف من قبل قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي يغذي الغضب المحلي.[fn]في 1 حزيران/يونيو 2021، ذكر أن ما بين ستة وثمانية أشخاص قتلوا وجرح ما لا يقل عن 25 آخرين في منبج عندما قمعت قوات سوريا الديمقراطية مظاهرة خرجت ضد التجنيد العسكري. ثم دفع الضغط الشعبي قوات سوريا الديمقراطية إلى وقف حملة التجنيد في منبج. انظر “Deadly SDF Crackdown and Conscription Campaign Sparks in Menbij”, COAR Global, 7 June 2021.Hide Footnote  كما اتسعت حملة التجنيد لتشمل أحياناً قاصرين، يتم اختطافهم فعلياً من قبل المقاتلين الأكراد الذين تربطهم علاقات غامضة بوحدات حماية الشعب لكن يُعتقد أنهم يعملون خارج سلطة قوات سوريا الديمقراطية.[fn]Amberin Zaman, “Child recruitment casts shadow over Syrian Kurds’ push for global legitimacy”, Al-Monitor, 7 December 2020.Hide Footnote

السياسات التعليمية التي فرضتها الإدارة الذاتية تتسبب في رد فعل أيضاً. في عام 2016، بدأت الإدارة باستبدال المنهاج المدرسي الذي تستعمله الحكومة السورية في المناطق ذات الأغلبية الكردية بمنهاج كردي خاص بها. وكان الأثر العملي لهذا القرار هو أن الطلاب يحصلون على شهادات تخرج لا يعترف بها في أي مكان آخر في سوريا، ما يقلص خياراتهم في متابعة تعليمهم العالي. دفع القرار أولئك الذين يستطيعون تحمل نفقات ذلك إلى إرسال أطفالهم إلى مدارس خاصة أو استقدام مدرسين خاصين لتدريسهم المنهاج العربي المعتمد في مدارس الحكومة. وفي تحرك إشكالي جداً في أواخر عام 2020، بدأت الإدارة بإغلاق المؤسسات الخاصة التي تدرس اللغة العربية في القامشلي، واعتقلت الأشخاص الذين يديرونها.[fn]انظر Mohammed Hardan, “Authorities in northeast Syria struggle to impose Kurdish curriculum”, Al-Monitor, 24 February 2021.Hide Footnote  في حين أن المنهاج غير المعتمد لم يُفرض في الرقة أو على العرب الخاضعين لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فإن هذه السياسة أثارت مخاوف واسعة الانتشار بين العرب والأكراد على حد سواء في سائر أنحاء المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الذين يخشون من أن الوحدات يمكن أن تفرضه عليهم في المستقبل.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثلين عن المجتمع المدني، الرقة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote

شكل تراجع الدعم الدولي تحدياً رئيسياً لأولئك الذين يحكمون الرقة،.

كما شكل تراجع الدعم الدولي تحدياً رئيسياً لأولئك الذين يحكمون الرقة، كما هو الحال في أجزاء أخرى من شمال شرق سوريا. إضافة إلى الشعور العام بالإنهاك فيما يتعلق بسوريا، الذي ينعكس في تقلص التعهدات الغربية بالمساعدة الإنسانية، يشعر المانحون بعدم الرغبة بدعم أي شيء يتجاوز استعادة الخدمات الأساسية لتحاشي أن يُنظر إليهم على أنهم يشاركون في إعادة الإعمار كجزء من جهد لبناء دولة.[fn]تقرير مجموعة الأزمات حول الشرق الأوسط رقم 209، سُبُل الخروج من المأزق الأوروبي في إعادة إعمار سورية، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.Hide Footnote

ونتيجة لذلك، فإن معظم الخدمات تتلقى الدعم فقط من برامج تعزيز الاستقرار الممولة أميركياً، والتي خفضتها إدارة ترامب بشكل كبير في سنواتها الأخيرة.[fn]في آذار/مارس 2018، أمر الرئيس ترامب بتجميد 230 مليون دولار من المساعدات الأميركية المخصصة لتحقيق الاستقرار في سوريا. في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن أكثر من 10 أعضاء في التحالف الدولي كانوا قد غطوا الفجوة "بمساهمات جدية جداً"، بما في ذلك من السعودية، 100 مليون دولار والإمارات العربية المتحدة 50 مليون دولار، إضافة إلى ألمانيا والمملكة المتحدة. انظر See “Trump freezes $200 million in aid promised to Syria’’, ABC News, 31 March 2019.Hide Footnote  في حين تستمر الإدارة الذاتية بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية المحلية المدعومة أميركياً بشأن استعادة خدمات مثل المياه والكهرباء، وإعادة تشغيل المدارس والمستشفيات، فإن عدد ونطاق تلك المنظمات غير الحكومية تقلص، بالنظر إلى أنها تعمل بموازنة محدودة في أعقاب تجميد الرئيس الأميركي في آذار/مارس 2018 لمساعدات تعزيز الاستقرار في سوريا. رغم أن التجميد رُفع، فإن وزارة الخارجية الأميركية ألزمت بعض المساعدات عندما كان التجميد نافذاً، يقول مسؤولون أميركيون إن أثره سيكون محسوساً حتى نهاية عام 2022.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول أميركي، تموز/يوليو 2021. انظر أيضاً U.S. Department of Defense, “Operation Inherent Resolve Lead Inspector General Quarterly Report to the United States Congress, January 1, 2021-March 31, 2021”, 4 May 2021.Hide Footnote  وهكذا فإن عبء تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان الرقة يقع على الإدارة الذاتية، بالنظر إلى أن أعداد متزايدة من السكان يعودون إلى بيوتهم في المحافظة وآخرون ينتقلون إلى هناك بحثاً عن الفرص الاقتصادية.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول رفيع في الإدارة الذاتية، الرقة، أيار/مايو 2021. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع ممثل عن المجتمع المدني، الرقة، أيار/مايو 2021. انظر أيضاً “Operation Inherent Resolve Lead Inspector General Quarterly Report to the United States Congress, January 1, 2021-March 31, 2021”، , July 1, 2020-September 30, 2020”, U.S. Department of Defense, 30 October 2020.Hide Footnote

في الإدارات الأميركية المتعاقبة، أطّر بعض المسؤولين تحقيق الاستقرار في مناطق كانت خاضعة سابقاً لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أنها من ضرورات الأمن القومي. ويبرزون التحديات التي ستواجهها قوات سوريا الديمقراطية في محاولة احتواء آلاف المحتجزين من تنظيم الدولة (وكذلك محاربة خلايا المسلحين التي تعود إلى الظهور) في المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية دون استمرار الدعم المالي والغطاء العسكري.[fn]في آب/أغسطس 2020، قال قائد القيادة المركزية الجنرال فرانك ماكنزي إنه إذا لم تستعيد الدول مواطنيها المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية والمحتجزين في منشآت تديرها قوات سوريا الديمقراطية وفي مخيمات النازحين في سوريا، فإن جهود التحالف ضد التنظيم "قد تكون دون جدوى". “Operation Inherent Resolve Lead Inspector General Quarterly Report to the United States Congress”، مرجع سابق.Hide Footnote  من المؤكد أن تردد الدول الغربية في الاستثمار في المناطق التي ساعدت على انتزاعها من تنظيم الدولة الإسلامية له تأثير مباشر على قدرة قوات سوريا الديمقراطية على تحقيق الاستقرار في هذه المناطق. فقد استُمدت المشروعية الأولية لقوات سوريا الديمقراطية من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عسكرياً وتقديمها لنفسها على أنها بديل أفضل من النظام السوري. يمكن لهذه الشرعية أن تتقلص مع ازدياد الإحباط المحلي لأن قوات سوريا الديمقراطية لا تستطيع الاستمرار بتقديم الخدمات الأساسية، حتى لو نجحت في المحافظة على الأمن.

III. هدوء هش

أوقفت الدبلوماسية الأميركية والروسية القتال في الرقة وحولها في تشرين الأول/أكتوبر 2019، دون معالجة العوامل المسببة للصراع. ونتيجة لذلك، ساد جمود هش، تخللته صدامات متقطعة بين القوى المتنافسة، بينما استمرت هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق الرقة الخاضعة لسيطرة النظام، وقوات سوريا الديمقراطية وتركيا.

تشكل التحركات العسكرية التركية المتجددة ضد قوات سوريا الديمقراطية التهديد المحتمل الرئيسي لاستقرار المنطقة.

تشكل التحركات العسكرية التركية المتجددة ضد قوات سوريا الديمقراطية التهديد المحتمل الرئيسي لاستقرار المنطقة. بالنظر إلى أن أنقرة تعتبر سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة الاستراتيجية شمال شرق سوريا وأصولها تهديداً لأمنها القومي وأمراً غير مقبول، فإنها اتبعت سياسة حافة الهاوية وأظهرت استعداداً لاتخاذ مخاطرات سياسية وعسكرية لمعالجة هواجسها.[fn]في آب/أغسطس 2016، قامت تركيا بعملية عبر الحدود سمتها درع الفرات في محافظة حلب الشمالية، فانتزعت عدة مناطق من تنظيم الدولة الإسلامية. في كانون الثاني/يناير 2018، أطلقت تركيا عملية عسكرية أخرى، مستهدفة منطقة عفرين هذه المرة، فأخرجت وحدات حماية الشعب وسلمت السيطرة على المنطقة لمجموعات المعارضة المسلحة التي تدعمها.Hide Footnote  نتيجة لذلك تبقى حالات وقف إطلاق النار هشة وقد تنهار. لقد شهدت المنطقة هجمات عابرة للخطوط من قبل وحدات حماية الشعب والمجموعات المدعومة تركياً، وهجمات مرتبطة بوحدات حماية الشعب في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الرقة وحلب، وضربات تركية بالطائرات المسيرة تستهدف وحدات حماية الشعب على الحدود. لقد نأت قوات سوريا الديمقراطية بنفسها علناً عن عمليات القصف الموجهة للمجموعات المدعومة تركياً لكن يبدو أنها لا تفعل شيئاً يذكر لوقف تلك الهجمات، التي قتلت أو جرحت عشرات المواطنين.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول في وحدات حماية الشعب، الحسكة، تشرين الثاني/نوفمبر 2021.Hide Footnote  يأتي الكثير من هذه التفجيرات على شكل عبوات متفجرة يدوية الصنع يتم تهريبها من المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.[fn]انظر Khaled al-Khateb, “New Kurdish group in Syria attacks Turkish-backed opposition in Afrin”, Al-Monitor, 24 April 2021.Hide Footnote  وقد أعلنت مجموعات مسلحة كردية تربطها علاقات غامضة بوحدات حماية الشعب وتتمتع ببعض الحماية وحرية الحركة داخل شمال شرق سوريا مسؤوليتها عن بعض الهجمات عبر الخطوط.[fn]المرجع السابق.Hide Footnote

رغم أن قوات سوريا الديمقراطية نأت بنفسها عن هذه الهجمات، فهي تدعي أنها شرعية ومبررة. ويقول قادة قوات سوريا الديمقراطية إن الهجمات تستهدف أهدافاً عسكرية فقط وتُشن رداً على هجمات من قبل تركيا ومجموعات مدعومة تركياً.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية، 18 أيلول/سبتمبر 2020.Hide Footnote  ويذكرون دافعاً محركاً آخر يتمثل في احتلال تركيا لعفرين، وهي منطقة في شمال غرب سوريا كانت ذات أغلبية كردية إلى أن انتزعت السيطرة عليها تركيا والمجموعات السورية التي تدعمها في آذار/مارس 2018، ما أدى إلى نزوح الكثير من السكان الأكراد.[fn]More than 150,000 people in Syria's Afrin displaced: Kurdish official, monitor”, Reuters, 17 March 2018.Hide Footnote  لقد ادعت منظمات دولية حدوث انتهاكات واسعة الانتشار لحقوق الإنسان على يد السلطات الجديدة، التي يعتبرها بعض قادة قوات سوريا الديمقراطية مبرراً لمقاومة "قوة احتلال".[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول كردي، الحسكة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020. فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في عفرين، انظر “UN rights chief calls for Turkey to probe violations in northern Syria”, UN News, 18 September 2020.Hide Footnote  كما تدعي قوات سوريا الديمقراطية أن الانتهاكات التي تمارسها المجموعات المدعومة تركياً في المناطق التي تسيطر عليها تركيا تغذي العنف.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية، الحسكة، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  إذا لم تتم معالجة تلك الانتهاكات، فإنها قد تؤدي إلى نشوء مشكلة إنسانية ومشكلة سياسية على المدى البعيد، وتلحق الضرر بسمعة تركيا.

تركيا، من جهتها، وفي الوقت الذي تتحاشى فيه شن هجوم بري جديد وبالتالي تنفير الإدارة الأميركية، فإنها استمرت في عملياتها العسكرية ضد وحدات حماية الشعب. وقد هاجمت القوات التركية بشكل متكرر كوادر وحدات حماية الشعب على الحدود وفي المنطقة العازلة بنيران الطائرات المسيرة، التي تسببت على ما ذكر في سقوط ضحايا مدنيين في اثنتين من هذه الغارات.[fn]Wladimir van Wilgenburg, “Turkish drone strike kills 3 women in north Syria's Kurdish city of Kobani”, Kurdistan 24, 23 June 2020؛ و“Turkish drone strike injures civilian near north Syrian town of Kobani”, Kurdistan 24, 23 January 2021.Hide Footnote  (قائد كبير في قوات سوريا الديمقراطية ادعى أنه، إضافة إلى قتل المدنيين، فإن الطائرات المسيرة التركية، قصفت في إحدى المرات، بالخطأ على ما يبدو، دورية روسية كانت في طريقها للتحقيق في هجمات تركية في المنطقة.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الحسكة، تشرين الثاني/نوفمبر 2020.Hide Footnote  تركيا، من جهتها، تدعي أنها تستهدف كوادر حزب العمال الكردستاني غير السورية بضرباتها بالطائرات المسيرة.)[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤولين أتراك، أنقرة، أيلول/سبتمبر 2021.Hide Footnote  طبقاً لقوات سوريا الديمقراطية، فإن موسكو سحبت القوات الروسية عدة مرات من المنطقة الواقعة شمال الرقة لتسمح للقوات التركية بالضغط على قوات سوريا الديمقراطية.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول في قوات سوريا الديمقراطية، القامشلي، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  لقد تكثف القصف الذي تقوم به القوات المدعومة تركياً بشكل متقطع فقط؛ كما أن محاولة موسكو الضغط على وحدات حماية الشعب لتسليم السيطرة الكاملة على المنطقة إلى النظام لم تجدِ نفعاً.[fn]مقابلة هاتفية أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول في قوات سوريا الديمقراطية، كانون الأول/ديسمبر 2020.Hide Footnote

إلا أن استمرار الهجمات المرتبطة بوحدات حماية الشعب يمكن أن يتسبب عند نقطة معينة برد فعل تركي قوي وأن يطلق بالتالي حلقة تصعيدية من القتال. مسؤول تركي قال: في مطلع عام 2020، "من منظورنا، لم يعد وقف إطلاق النار نافذاً. وحدات حماية الشعب تنتهكه يومياً ونحن سنرد في النهاية بشكل حاسم على هجماتهم".[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع مسؤول تركي، أنقرة، كانون الثاني/يناير 2020.Hide Footnote  وبالفعل، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2021، صعدت تركيا خطابها ونقلت معدات عسكرية إلى شركائها السوريين، وهددت بتحرك عسكري جديد ضد وحدات حماية الشعب.[fn]انظر Suleiman Al-Khalidi, “Syrian rebels mobilise for possible Turkish attack on Kurdish fighters”, Reuters, 4 November 2021.Hide Footnote

تهديد رئيسي آخر للهدوء في محافظة الرقة يتمثل في الهجمات المتكررة لتنظيم الدولة الإسلامية.

ثمة تهديد رئيسي آخر للهدوء في محافظة الرقة يتمثل في الهجمات المتكررة لتنظيم الدولة الإسلامية. لقد تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ قياساً بما كان عليه مباشرة بعد المعركة ضد التنظيم. لكنه يبقى هشاً. في عام 2017، كانت المدينة وضواحيها مليئة بالألغام المضادة للأفراد وبالعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم الدولة. وكان التحرك في المنطقة خطيراً للغاية؛ فقد سقط مئات المدنيين ضحايا للألغام.[fn]Syria: Landmines Kill, Injure Hundreds in Raqqa”, Human Rights Watch, 12 February 2018.Hide Footnote  أما اليوم فقد نظفت المنطقة تقريباً، إلا أن هجمات تنظيم الدولة المتقطعة مستمرة، بما في ذلك بالعبوات الناسفة، وهجمات كرّ وفرّ والاغتيالات في المدينة والمحافظة بشكل عام، خصوصاً في منطقة الكرامة الشرقية، المعقل السابق لتنظيم الدولة.[fn]ملاحظات ومقابلات لمجموعة الأزمات مع ممثلين للمجتمع المدني، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote

على مدى العام الماضي، شن تنظيم الدولة عمليات متكررة تستهدف قوات الأمن الداخلي التابعة لقوات سوريا الديمقراطية ونقاط تفتيشها في الرقة.[fn]انظر Abdullah Al-Ghadhawy, “ISIS in Syria: A Deadly New Focus”, Newlines Institute, 28 April 2020. Hide Footnote  مسؤول أمني رفيع في قوات سوريا الديمقراطية قال في أيار/مايو 2021: "لقد قتل 61 من قوات الأمن الداخلي التابعة لنا و32 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية على يد مقنعين على دراجات نارية أو بعبوات ناسفة مزروعة على جوانب الطرق على مدى العام الماضي".[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  كما هاجم التنظيم أهدافاً للنظام في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في ريف الرقة.[fn]Statement Issued by the General Command of the Internal Security Forces – Raqqa Province”, Internal Security Forces – North and East Syria, 12 May 2021.Hide Footnote  وتقيّم القيادة المركزية الأميركية أن من المرجح أن يكون لدى تنظيم الدولة ما يكفي من القوى البشرية والموارد للعمل إلى ما لا نهاية على المستوى الحالي في البادية السورية. منذ عام 2019، أحجم التنظيم عن مهاجمة القوات الأميركية ووجه نيرانه بدلاً من ذلك إلى قوات سوريا الديمقراطية؛ وخلال العام الماضي، صعد هجماته على النظام وعلى الميليشيات المرتبطة بإيران التي تدعمه.[fn]Operation Inherent Resolve Lead Inspector General Report to the United States Congress, April 1, 2021–June 30, 2021”, U.S. Department of Defense, 17 August 2021.Hide Footnote

تعزو قوات سوريا الديمقراطية الهجمات إلى التسلل المتكرر للمقاتلين، الذين يتنكرون في معظم الأحيان كمدنيين، من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من الرقة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ومن ثم إلى منطقة تل أبيض الخاضعة للسيطرة التركية.[fn]مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع قائد لقوات سوريا الديمقراطية، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  إلا أن أغلبية هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة تستهدف قوات الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في الجنوب.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع قادة في قوات سوريا الديمقراطية، الرقة، أيار/مايو 2021.Hide Footnote  وقد أصابت العديد من الضربات مواقع للجيش السوري ودوريات سورية، في حين استهدفت بضعة هجمات حقول النفط جنوب الطبقة.[fn]خبير في الشأن السوري ذكر 70 هجوماً مؤكداً لتنظيم الدولة جنوب الرقة بين كانون الثاني/يناير 2020 وأيلول/سبتمبر 2021. مقابلة أجرتها مجموعة الأزمات مع غريغوري ووترز، تشرين الأول/أكتوبر 2021.Hide Footnote  لقد جعل قرب الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في محافظة الرقة من شمال حمص وحماة، حيث استعاد تنظيم الدولة قوته، هذه المناطق هشة على نحو خاص.

ويتمثل تهديد أخير للاستقرار في الشمال الشرقي في احتمال حدوث تقدم عسكري للنظام. لقد منع الوجود الرمزي للقوات الأميركية في شرق سوريا التحركات العسكرية من قبل روسيا والنظام. لكن في غياب انفراج بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق فيما يتعلق بمستقبل المنطقة الغنية بالنفط، لاشك أن دمشق ستتوقع أن تكون قادرة على استعادة المنطقة أو فرض شروطها على وحدات حماية الشعب في حالة حدوث انسحاب أميركي.

IV. المساعدة على تحقيق الاستقرار في الرقة

خلال السنوات الأربع منذ سوّى التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الجزء الأكبر من مدينة الرقة ومحيطها بالأرض، شهدت المحافظة تعافياً ملحوظاً. إلا أن تعافيها يبقى هشاً وجزئياً، لأن بعض التحديات الرئيسية الكامنة ما تزال دون معالجة.

ما تزال المحافظة ملعباً للخصوم المتنافسين على السيطرة والنفوذ. ويبقى الجزء الأكبر من الرقة تحت السيطرة العسكرية والحكم الإداري لمجموعة - قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب – مختلفة مع النظام في دمشق ومعادية لتركيا. ومع وجود مثل هؤلاء الأعداء، فإن هذه المجموعة قد لا تتمكن من المحافظة على حكمها دون حماية وجود عسكري أميركي صغير. لكن ورغم عزم إدارة بايدن المعلن البقاء في سوريا في الوقت الراهن، فإنه يظل من غير المؤكد إلى متى ستبقي الولايات المتحدة قواتها هناك. كما أن من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن مستعدة وقادرة على استخدام القوات المنتشرة كجزء من جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على العمل كقوة عازلة بين المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وهذين الطرفين المتنافسين. سيرغب النظام باستعادة المنطقة حالما يستعيد قوته ويتمكن من استحضار الدعم الروسي والإيراني. تركيا، من جهتها، على الأقل طالما ظلت ترى في وحدات حماية الشعب امتداداً لحزب العمال الكردستاني، ستظل عازمة على إنهاء حكم وحدات حماية الشعب في الشمال الشرقي، الذي تعتبره تهديداً لأمنها القومي.

، تحولت الرقة إلى قصة نجاح من نوع ما...تستحق ... المحافظة عليها، خصوصاً في غياب مسار ذو مصداقية وتوقيت مناسب نحو تسوية تفاوضية للصراع برمته.

لكن، ووسط أهوال الحرب السورية، تحولت الرقة إلى قصة نجاح من نوع ما. والمكاسب التي حققتها تستحق المحافظة عليها، خصوصاً في غياب مسار ذو مصداقية وتوقيت مناسب نحو تسوية تفاوضية للصراع برمته. كما أن هذا التقدم أكثر أهمية بالنظر إلى أن تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار حدثا دون قدر كبير من التخطيط، ناهيك عن وجود استراتيجية متماسكة، وسط إحجام أعضاء التحالف والمنظمات الدولية عن الانخراط في إعادة بناء المحافظة، والقيود الحادة المفروضة على الوصول وانعدام اليقين بوجود الاستثمار المالي أو العسكري الأميركي. لقد استمر ذلك التقدم حتى بعد سحب الولايات المتحدة لقواتها المتبقية من الرقة إلى محافظتي دير الزور والحسكة المجاورتين في تشرين الأول/أكتوبر 2019. في تناقض صارخ مع العديد من المناطق التي استعادتها دمشق أو الفصائل المدعومة تركياً، فإن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في الرقة تتمتع بمستوى لائق من الأمن، وبرخاء متواضع وحكومة محلية قادرة نسبياً، ورغم أخطائها، أوجدت الظروف التي جعلت من المنطقة نقطة جذب للمهاجرين والاستثمارات من أجزاء أخرى من سوريا.[fn]انظر التقرير القادم لمجموعة الأزمات، الحكم فوق أنقاض حلب.Hide Footnote

لهذا السبب ينبغي على الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في التحالف الدولي استخدام الهدوء النسبي في المعاقل السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك الرقة، لمعالجة التهديدات الكامنة لاستقرار هذه المناطق.

وينبغي على الدول الغربية التي ساهمت في تدمير الرقة كأعضاء في التحالف الدولي حماية المنطقة من عودة تنظيم الدولة إلى الظهور والمساهمة في إعادة بنائها. كما ينبغي على الدول الأوروبية أن تعمل على معالجة الضرر الذي حدث للمنطقة وسكانها خلال عملية محاربة تنظيم الدولة. لكن لا ينبغي أن يكون هذا الدعم غير مشروط. مع شروع الولايات المتحدة في الإفراج عن أموال تحقيق الاستقرار التي وافق عليها الكونغرس لسوريا، ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل الآتية.

أولاً، ينبغي على التحالف الدولي، والولايات المتحدة بشكل خاص، أن تضمن ألا تحوّل حمايتها لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية شمال شرق سوريا إلى نقطة انطلاق لهجمات المسلحين على أجزاء أخرى من شمال سوريا أو في العراق أو تركيا. كما ينبغي أن يتم إخضاع قوات سوريا الديمقراطية، التي تفرض سيطرة فعالة على المنطقة، للمساءلة عن أفعال المسلحين الأكراد الآخرين هناك. كما ينبغي أن تستخدم الولايات المتحدة الزيادة في مساعدات تحقيق الاستقرار لتحقيق وقف لهجمات المتمردين انطلاقاً من الشمال الشرقي على تركيا أو على المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في سوريا. بموازاة ذلك، ينبغي على واشنطن العمل مع أنقرة لتحسين وضع حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، بما في ذلك عفرين، وتل أبيض ورأس العين، التي شهدت أعمال قتل، وخطف واستيلاء على الممتلكات؛ وجعل الظروف في هذه المناطق أكثر أماناً للمهجرين الذين يرغبون بالعودة إلى بيوتهم.[fn]فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، انظر “Syria: Violations and abuses rife in areas under Turkish-affiliated armed groups – Bachelet”, UN Office of the High Commissioner for Human Rights, 18 September 2020.Hide Footnote  كما ينبغي على واشنطن أن تضغط على أنقرة لكبح جماح المجموعات السورية التي تمولها، وأن تجبرها على وقف انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال سوريا وأن تفرض عقوبات صارمة على الذين يكررون الانتهاكات.

ثانياً، سيكون استعداد وحدات حماية الشعب لتفويض مسؤوليات الحكم أمراً محورياً لمنع المظالم المحلية من التحول إلى عداوات إثنية أو سياسية. لقد كانت وحدات حماية الشعب شريكاً عسكرياً فعالاً وملتزماً للولايات المتحدة والتحالف الدولي في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتعززت قوتها بفضل الدعم الدبلوماسي والعسكري للتحالف الذي مكّن قيادة وحدات حماية الشعب. إلا أن هذه المقاربة الأميركية نفَّرت السكان العرب في الشمال الشرقي، وأقصت كثيرين في الشتات السوري عن النقاشات الاستراتيجية بشأن حكم ومستقبل المنطقة.[fn]مقابلات أجرتها مجموعة الأزمات مع شخصيات عشائرية، شمال شرق سوريا، أيار/مايو 2021.Hide Footnote

ويتعين على الدول الغربية توجيه مساعداتها ... لدعم إصلاحات الحوكمة ... لتحقيق درجة أكبر من الشفافية ... {و} على إيجاد السبل لاستعادة الصلات الإدارية بين المنطقة ودمشق بشأن قضايا مثل التعليم.

ينبغي لهذا الوضع أن يتغير. ويتعين على الدول الغربية توجيه مساعداتها للإدارة الذاتية لدعم إصلاحات الحوكمة التي من شأنها أن توسع عملية اتخاذ القرار بشكل كبير يتجاوز بنية سلطة وحدات حماية الشعب، وبالتالي توفير مسارات لمشاركة أكثر جوهرية في الحكم من قبل السكان خارج الحلقة الداخلية لوحدات حماية الشعب. كما ينبغي أن تشجَّع الوحدات على اتخاذ خطوات لتحقيق درجة أكبر من الشفافية بشأن قضايا جوهرية مثل توليد العائدات، وتوزيع مخصصات الموازنة والمحادثات السياسية مع الولايات المتحدة، وروسيا والنظام.

ثالثاً، تعد الرقة جزءاً لا يتجزأ من سوريا، وكذلك كل منطقة الشمال الشرقي. وبالتالي فإن مفتاح تجنب المزيد من الصراعات العنيفة يتمثل في أن تتصرف قوات سوريا الديمقراطية وداعميها الدوليين على هذا الأساس. ولذلك ينبغي على الدول الغربية ألاّ تشجع قوات سوريا الديمقراطية على اتخاذ خطوات في الإدارة والحكم يمكن أن ينظر إليها على أنها خطوة نحو الانفصال بحكم الأمر الواقع، مثل فرض مناهج مدرسية غير معتمدة. بدلاً من ذلك، ينبغي أن تشجَّع قوات سوريا الديمقراطية على إيجاد السبل لاستعادة الصلات الإدارية بين المنطقة ودمشق بشأن قضايا مثل التعليم. مثل هذه الخطوات ستريح السكان المحليين، الذين يعانون من الافتقار إلى عمليات التوثيق الرسمية (مثل شهادات مهنية وأوراق الأحوال المدنية). دمشق وموسكو، من جهتهما، ينبغي أن تقاوما إغراء استعمال التبادلات العسكرية أو الجهات المتمردة الوكيلة للضغط على الولايات المتحدة من أجل الانسحاب الكامل من الشمال الشرقي. إذ يمكن لمثل هذه التحركات أن تؤدي دون قصد إلى تصعيد يصعب احتواؤه.

V. الخلاصة

لقد تحسن الوضع في الرقة كثيراً منذ تعرضت المحافظة للدمار في الحرب بين تنظيم الدولة الإسلامية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي شُكِّل لإلحاق الهزيمة بالتنظيم قبل أربع سنوات. لكن مستقبل المحافظة وعاصمتها يبقى على حافة سكين، وتعتمد على الحفاظ على توازن بين قوى متنافسة. هذا التوازن مشروط إلى حد بعيد بوجود مجموعة صغيرة من القوات الأميركية والمستشارين العسكريين في شمال شرق سوريا ووجود طائرات مراقبة أميركية في الأجواء فوقها.

بالنظر إلى الدور المحوري للولايات المتحدة، فإن سياسة إدارة بايدن حيال سوريا ستلعب دوراً كبيراً جداً في تحديد مصير الشمال الشرقي. لقد جرب سكان المنطقة مرة تداعيات انسحاب أميركي متهور، أُحبط أيضاً بنفس السرعة، لكن ليس قبل أن يُحدث ضرراً حقيقياً. فقد مكن تركيا من القيام بتوغل هجّر مئات آلاف المدنيين من منازلهم، وما تلا ذلك من انتشار قوات النظام السوري والمراقبين العسكريين الروس. لقد أدى وجود هذا الخليط من القوى المتنافسة على السيطرة على المنطقة إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الرقة. يضاف إلى تعقيد الوضع توترات بين قوات سوريا الديمقراطية والسكان العرب. ومن أجل سكان تحملوا ما يكفي من الألم في ظل حكم تنظيم الدولة، ينبغي على إدارة بايدن أن تضع سياسة تساعد على إعادة بناء المنطقة على المدى القصير وتستخدم الثقل الدبلوماسي الأميركي لضمان مستقبلها المستقر.

الرقة/أنقرة/بروكسل، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2021

الملحق آ: خريطة السيطرة السياسية في شمال شرق سورية

الملحق آ: خريطة السيطرة السياسية في الرقة

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.