هل حان الوقت للانسحاب من أفغانستان؟
هل حان الوقت للانسحاب من أفغانستان؟
The Taliban’s Neighbourhood and Regional Diplomacy with Afghanistan (Online Event, 5 March 2024)
The Taliban’s Neighbourhood and Regional Diplomacy with Afghanistan (Online Event, 5 March 2024)
Op-Ed / Asia 4 minutes

هل حان الوقت للانسحاب من أفغانستان؟

بينما تدخل العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان عامها العاشر يبحث صناع القرار في واشنطن عن وسيلة للخروج ، ومع أنه من المقرر إجراء مراجعة للسياسة الأمريكية في ديسمبر إلا ان خطوطها العريضة  قد غدت واضحة. ستحاول القوات الامريكية توجيه ضربة لطالبان لجرها الى طاولة المفاوضات ، و ستنقل مسؤولية الأمن إلى القوات الأفغانية على نحو تدريجي بالإضافة إلى ضخ المزيد من الأموال للتنمية الاقتصادية. هذا وقد وافق شركاء قوات التحالف الدولي في قمة لشبونة على انسحاب تدريجي للقوات بهدف تسليم المسؤولية للقوات الأمنية الافغانية بحلول نهاية عام 2014. أما الهدف فهو سحب القوات بكرامة خاصة بعدما تراجع التأييد الشعبي ، ولكن مع ضمان أن لا تتحول أفغانستان إلى بؤرة للارهاب الدولي بعد الانسحاب على أقل تقدير.

 و في حين يقاس نجاح العمليات حاليا بعدد المسلحين الذين قتلوا أو أسروا ، فليس هناك أدلة كافية تشير إلى أن العمليات حدت من نشاط التمرد أو زادت الاستقرار. و بالتالي لا تتطابق الرواية الأمريكية مع الحقائق على أرض الواقع. يروج الجيش الامريكي بالفعل لنجاحات في محيط منطقة قندهار حيث تركز قتال قوة المساعدة الدولية في أفغانستان (ايساف). وقد أنشأ الرئيس الأفغاني حميد كرزاي "مجلس السلام الأعلى" المكلف بالتفاوض مع المسلحين كما تُبذل المزيد من الجهود لتدريب الجيش الأفغاني والشرطة. و ليس لدى الولايات المتحدة والقوى الدولية سوى بضعة أشهر فقط لإعلان أمان و جاهزية عدد كبير من المناطق الأخرى للوضع الإنتقالي .و قد بدأ بالفعل تبلور رواية مغرية عن حملة ناجحة لمكافحة التمرد.

و لكن كلما تفاقم العنف ، كلما أثبتت قوات الأمن الأفغانية عدم قدرتها على مجابهة طالبان. وقد تزايدت الخسائر البشرية في صفوف قوات ايساف بالإضافة إلى صفوف المدنيين. هذا ولا تزال أفغانستان تفتقر إلى استراتيجية أمنية وطنية متماسكة و لاتزال أجهزة الجيش والشرطة الأفغانية متشظية و مسيسة على نحو كبير و خطير. من جهة أخرى ، على الرغم من الخسائر الفادحة في ميدان القتال ، تجد الجماعات المتمردة مجندين جدد في المنطقة الحدودية مع باكستان، و تستخدم المنطقة لتجميع صفوفها وإعادة تنظيمها وتسليحها بدعم ومشاركة تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الباكستانية والجيش الباكستاني. وقد سمح  هذا الموقع الاستراتيجي للمتمردين بالإنتشار في كل أصقاع البلاد تقريبا ، وخلافا للرواية الأمريكية لا تزال عشرات المناطق رابضة تحت سيطرة طالبان.

و بعد مضي ما يقرب عقد من الزمن على بدء العمليات الأمريكية لا تزال أفغانستان تعمل وفق نظام معقد من إقطاعيات متعددة الطبقات حيث يسيطر المتمردون على  نظم العدالة الموازية وأجهزة الأمن في كثير من المناطق  إن لم يكن معظمها، في حين تحتكر النخبة اللصوصية في كابول العقود الدولية في أصقاع البلاد. وقد عزز تدفق مليارات الدولارات الروابط بين الأعضاء الفاسدين في الحكومة الأفغانية والقادة العسكريين المحليين , المتمردين منهم والمجرمين على حد سواء. كما تلطخ النموالاقتصادي من جراء انفجار هذه السوق السوداء ، الأمر الذي يجعل تمييز مؤشرات النجاح والاستقرار عن بوادر انهيار وشيك شبه مستحيل. لقد تجذرت مشاكل إهمال الحكم  و وهن النظام القضائي وضعف سيادة القانون كما شحت الجهود الرامية لمعالجتها. وبالتالي فقد تمكن المسلحين والعناصر الاجرامية داخل النخبة السياسية من ملىء الفراغ الذي خلفه ضعف الدولة الأفغانية.

يقع معظم اللوم في وضع كهذا على الادارات الاميركية المتعاقبة. فقد كان من الصعب منذ البداية  الدفاع عن سياسة ترمي إلى اختيار بعض من الشخصيات الأكثر عنفا وفسادا في البلاد، واغراقهم  بالمال و الوعود  بتقديم المزيد ومن ثم تعينهم كمسؤليين. فلم تكن تلك السياسة وصفة لإرساء الاستقرار في البلاد ، ناهيك عن البناء المؤسساتي.

وقد فشلت واشنطن على نحو منهجي بوضع وتنفيذ سياسة متماسكة  حيث يبرهن  تحول  الموارد والاهتمام من أفغانستان إلى العراق على الفور تقريبا بعد طرد طالبان من كابول على انعدام الأولوية الاستراتيجية. فقد كان عدم وجود اتساق في سياسات واشنطن وحلفائها في حلف شمال الاطلسي منذ البداية نسخة عن الانقسامات الحادة بين القادة المدنيين والعسكريين -- على النحو المبين في الآراءالمتعارضة على نحو فاقع بين البنتاغون والسفارة الاميركية في كابول حول السبل المثلى للمضي قدماً ؛ و يمثل تنحي الجنرال ستانلي ماكريستال مؤخرا خير شاهد على هذا الشرخ. وقد سمح الإعتماد على المدخلات بدلا من النتائج للبيروقراطيين بالتبجح بنجاحات وهمية.  أما عملية صنع القرار كانت عشوائية مستندة إلى الفرضية القائلة أنه إذا تم إحياء فكرة سيئة مرات عدة فقد تنجح في نهاية المطاف. و طرحت خطط لإعادة إدماج طالبان وإنشاء ميليشيات شرطة محلية مرارا و تكرارا دون أن تترك أي نتائج إيجابية. وعلى نحو مماثل لم تسفر مساعي المصالحة عن أكثرمن مجرد محادثات حول المحادثات.

لقد بدأ العمل الحقيقي  لبناء نظام بناء جهاز شرطة وجيش أَكْفاء  في عام 2008. على الرغم من التعهدات التي لا نهاية لها لاستعادة سيادة القانون ، هذا وبالكاد قد بدأ بذل الجهود لتوفير نظام عدالة مبدئي للأفغان ، لقد فشل المجتمع الدولي مرارا وتكرارا بالإعتراف بالعلاقة بين الاستقرار والعدالة على الرغم من أنه قد بدا واضحاً منذ زمن طويل أن المظالم المرتكبة من قبل الجهات الحكومية المتوحشة تغذي حركات التمرد.

وقد جعلت كل هذه المشاكل الكثيرين يعتقدون أن الوقت قد حان لمغادرة القوات الأجنبية. ولكن للأسف ، فإن التسرع بالإنسحاب لن يساعد الأفغان ولن يعالج التداعيات الأمنية الإقليمية والعالمية التي يمثلها انهيار الدولة الأفغانية. ومع مرور الوقت سنشهد انهيار حكومة كرزاي من دون الدعم الخارجي وسيطرة طالبان على أجزاء كبيرة من البلاد و سيتفاقم  الصراع  الداخلي مما سيزيد احتمالات العودة  إلى الحرب الأهلية المدمرة التي اندلعت في تسعينيات القرن المنصرم.  سيقدم إنتصار طالبان حتى ولو كان جزئياً العون للجماعات الجهادية الباكستانية و يؤمن مأوى لها. و من شأن هذا زيادة أعمال العنف في باكستان وزيادة الهجمات على الهند. عندها ستقوم جيران أفغانستان بتكثيف الدعم لعملائها من خلال حقن الحرب  بالموارد العسكرية والمالية. و عندما ينتشر الصراع ، بالإضافة إلى مشكلة اللاجئين والجهاديين وغيرها من المشاكل ،  لن يحل المأزق بمجرد توجيه ضربات قليلة من طائرات دون طيار.

يجدر بصناع السياسة تذكر مشاكل أفغانستان المتأصلة. فستفشل أي خطة ما لم تعالج العفن في كابول. فلم يعد يتمتع الرئيس حامد كرزاي بشرعية أو شعبية و بالتالي فقد قدرته على ابرام صفقات سياسية متينة. و على الرغم من السجال الدائر حول المصالحة ، ليس كرزاي في وضع يسمح له بالعمل وحده كحارس لمصالح الدولة الأفغانية. كما أن الفرص في نجاج المفاوضات مع المتمردين  ضئيلة في الوضع السياسي الراهن . و كبديل لذلك فإن المفتاح لمكافحة التمرد وتحقيق الظروف المواتية لتحقيق تسوية سياسية يتمثل في تحسين الحكم الأمن والعدالة وكما برهنت تحليلاتنا السابقة ، قليلة جدا هي الحلول السريعة في مثل هذه الأمور.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.