إحالة السودان على المحكمة الجنائية الدولية
إحالة السودان على المحكمة الجنائية الدولية
Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Op-Ed / Africa 3 minutes

إحالة السودان على المحكمة الجنائية الدولية

يخطو السودان خطوات تدريجية نحو هاوية التفكك والانحلال. ففي الشهر المنصرم، اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الحكومة المركزية والجنوب بشأن منطقة أبيي الغنية بحقول النفط، وشن ثوار دارفور اعتداء مجهضاً على الخرطوم يُرجح فيه أن يُعجل مكافأة الحكومة في المنطقة. وعلى ضوء تدهور الوضع، أبلغ مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية مجلس الأمن بسير التحقيقات في فظاعة الجرائم التي ارتكبتها حكومة السودان ومن ينوب عنها في إقليم دارفور

ولفت المدعي العام مجدداً إلى أن السودان ضرب عرض الحائط بواجبه الدولي القاضي بالتعاون مع المحكمة. كما انتقد الأسرة الدولية على صمتها المعيب في وجه استخفاف السودان المتعمد بالمحكمة

ولم يكتفِ السودان بازدراء للمحكمة الجنائية الدولية (وبأرواح ضحايا دارفور) بل زاد على ذلك يوم إصدار مذكرات التوقيف الأولى في شهر أبريل (نيسان) 2007 بحق أحمد هارون، وزير الدولة للشؤون الإنسانية، وقائد الميلشيا علي قشيب، وكلاهما متهم بضلوعه في مساندة وشن جرائم مروعة بحق المدنيين ـ مثل التعذيب الجماعي، والاغتصاب والقتل ـ يوم بلغت حملة التطهير العرقي التي شنتها الحكومة عامي 2003 ـ 2004 ذروتها

ولم تتوانَ الخرطوم عن اعتقال مرتكبي الجريمة المزعومين وحسب، بل نصبت هارون في موقع يُحمله مسؤولية الجماعات التي أسرف ماضياً في ترويعها. كما أطلقت سراح قشيب بذريعة غياب الأدلة. أما صمت الأسرة الدولية حيال هذه الاستفزازات فأشبه بمن يُصيبه صمم

هذا ودوزن النظام هجومه الكلامي على المحكمة ليلعب على وتر أن عمل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور سوف يُحيد جهود إحلال السلام في المنطقة عن مسارها. وذهب مبعوث السودان إلى الأمم المتحدة أخيراً إلى حد وصف المدعي العام «بالعدو اللدود الأول للسلام في دارفور»

ولكن هذه المخاوف مضللة. أولاً ليس في دارفور عملية سلام تستطيع المحكمة الجنائية الدولية أن تُحيدها عن مسارها. وثانياً، المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أعجز من تحقيق أي نتيجة، لأن الأسرة الدولية أخفقت في تدبير استراتيجية شاملة ومنسقة حيال السودان ناهيك من تطبيقها. لا بل إنها عمدت عوضاً عن ذلك إلى اتباع العديد من جداول الأعمال على غرار النفط للبعض، وسراب تعاون في مكافحة الإرهاب للبعض الآخر ـ مما سمح للخرطوم بأن تُيسر لتصادم الجهات المعنية بعضها ببعض

والأهم أن السلام والملاحقة القضائية الدولية ليسا اقتراحاً يُحلق بجناحين منفصلين في السودان، بل اعتبار يُسيّر المسارين معاً أقله إلى حين التوصل إلى صفقة شاملة تنم عن رغبةٍ سياسيةٍ في التطبيق

وما حصل شمال أوغندا خير مثال على هذا، سيما أن إقدام المحكمة الجزائية الدولية على مقاضاة قادة «جيش الرب» للمقاومة شكل أحد أهم العوامل التي دفعت بالثوار إلى التلاقي حول طاولة الحوار. وفي حين دافعت المحكمة عن قضيتها، تم التوصل إلى وقف الاعتداءات وبدء العمل بعملية سلام تشاورية شاملة. فتمكن مئات الآلاف من المهجرين من ترك مخيمات اللاجئين والعودة إلى قراهم للمرة الأولى منذ سنوات. وتم كل هذا على الرغم من استمرار جيش الرب للمقاومة بالتنديد بالمحكمة الجنائية الدولية. وصحيح أن صفقة نهائية في شمال أوغندا لم تُبرم بعد، إلا أن النزاع وعملية السلام شهدا تحولاً جزئياً نتيجة التزام المحكمة الجنائية الدولية

ولا شك أن الوضع في السودان شديد الاختلاف. ولكن من شأن استراتيجية شاملة ترمي إلى إحقاق السلام والعدالة تباعاً أن تُحقق نتائج على المستويين، لا سيما على المدى القصير. ويُرجح في زيادة الضغط على النظام لتسليم هارون وقشيب كجزءٍ من الاستراتيجية أن يُثمر مشاركةً فاعلةً في عملية السلام بدلاً من تأخيرها على الرغم من معارضة النظام وتحججه بالعكس على حساب أرواح المدنيين

يُعزى هذا إلى أن تهديد المحكمة الجزائية الدولية بالملاحقة القضائية ـ الذي اكتسب مصداقيةً نتيجة الدعم الدولي المجدي ـ يُمثل أحد السبل القليلة للوصول إلى قيادة الخرطوم. ويخشى النظام أن تذهب المحكمة بعيداً في عملية الملاحقة القضائية، لذا تراه يسعى إلى تقويضها. ولهذا السبب يُرجح في الخرطوم أن تُبدل حساباتها وتدابيرها إذا ازداد احتمال أن تتخذ المحكمة الجزائية الدولية مزيداً من التدابير الفعالة

إذا دعت يوماً الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة بالاختيار بين السلام والملاحقة القضائية الدولية، فلعلها لن تدوم سنوات طويلة وستنقضي ببت مختلف المواضيع الشائكة الأخرى بينما تُطرح على الطاولة صفقة سلام فعلية. ولكن الأمور قد لا تصل إلى هذا الحد سيما مع إمكانية إعمال سيناريوهات مختلفة مثل تغيير القيادة السودانية من خلال انتخابات العام 2009 أو الانشقاقات الداخلية. والمسألة هي ببساطة أن أحداً لا يعلم ما سيحصل في السنوات القليلة المقبلة. وبالتالي إلى حين انتفاء الخيارات الأخرى، يتعين على الأسرة الدولية كما على الدول العربية أن تُسير السلام بموازاة العدالة

وبعد أن أطلعه المدعي العام على أخبار تعنت السودان في عدم الامتثال، يتعين على مجلس الأمن في الأمم المتحدة أن يُطالب الخرطوم بتسليم هارون وقشيب. فإذا تلكأت الحكومة السودانية مجدداً، توجب فرض عقوبات إضافية ومجدية. ويجب على الدول الأعضاء أن تتخذ المبادرة وتحذو حذوهما، وإلا اعتبر سخطها حيال الفظائع المرتكبة في دارفور جعجعةً بلا طحين. وفي ظل تخاذل الدعم للمحكمة، يُبذل السلام والعدالة ضحية على مذبح النزاع في السودان

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.