احتجاجات غزة تشكل تحولاً في الوعي الوطني الفلسطيني
احتجاجات غزة تشكل تحولاً في الوعي الوطني الفلسطيني
As Trump Alights in Israel, Palestinians are Descending into Darkness
As Trump Alights in Israel, Palestinians are Descending into Darkness
Gaza-commentary-2april18.jpg
A wounded demonstrator is being moved away from clashes with Israeli forces during the demonstration under the name of the "Great Return March" at Israeli border in eastern part of Khan Yunis, Gaza on March 30, 2018. Mustafa Hassona / Anadolu Agency
Commentary / Middle East & North Africa 6 minutes

احتجاجات غزة تشكل تحولاً في الوعي الوطني الفلسطيني

كانت الاحتجاجات التي خرجت يوم الجمعة، 30 آذار/مارس، التي قتلت خلالها القوات الإسرائيلية أكثر من خمسة عشر فلسطينياً، الأكبر من نوعها منذ عدة سنوات ومن المرجح أن تزداد وتيرتها في الأسابيع القادمة. في التعليق الآتي، المصاغ على شكل أسئلة وأجوبة، يقول ناثان ثرال، مدير المشروع العربي – الإسرائيلي في مجموعة الأزمات، إن سلسلة مسيرات  الاحتجاج  المخطط لها تعكس تصميم الفلسطينيين على تولّي شؤونهم بأنفسهم بعد فقدانهم الثقة بالوساطة الخارجية.

ما الذي حدث يوم الجمعة الماضي؟

الجمعة، 30 آذار/مارس، يوم الأرض، هو الذكرى السنوية للمظاهرات التي أقامها المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل ضد مصادرة الحكومة لأراضيهم في العام 1976. سار عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة نحو الحدود مع إسرائيل فيما شكلت المسيرة الأولى من عدة مسيرات أسبوعية وصولاً إلى 15 أيار/مايو. في ذلك اليوم، يحيي الفلسطينيون ذكرى ما يشيرون إليه بالنكبة، وهي النزوح القسري لأكثر من 750,000 فلسطيني خلال حرب العام 1948. نحو ثلثي سكان قطاع غزة لاجئون من قرى في إسرائيل؛ وهذا العام أعلن المنظمون سلسلة من الفعاليات – كانت تلك التي أقيمت يوم الجمعة الماضي الأكبر من نوعها منذ سنوات – "مسيرة العودة الكبرى"، ما يعكس مطالبة المشاركين في المسيرة بالعودة إلى بيوتهم الأصلية. قتل سبعة عشر فلسطينياً (اثنان منهم قرب الحدود لكن ليسوا من بين المتظاهرين) وجرح أكثر من 1,400 بسبب الرصاص الإسرائيلي الحي، والرصاص المعدني المغلف بالمطاط والغاز المسيل للدموع. في الذكرى السبعين للنكبة هذا العام، يخطط الفلسطينيون في قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، والأردن، وسورية للسير نحو الحدود الإسرائيلية وقد يحاولون عبورها.

يوم الجمعة الماضي، اجتمع المشاركون في المسيرة قرب السياج الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل في خمسة مواقع. كانت أكبر المظاهرات شرق مدينة غزة وشرق بيت حانون، في شمال قطاع غزة. أما المسيرات الثلاث الأخرى فكانت شرق مخيم البريج للاجئين، وفي وسط غزة، وشرق مدينتي خان يونس ورفح، وكلاهما تقعان جنوب غزة. كانت أغلبية المظاهرات سلمية وظلت على بعد نحو 700 متر من السياج الأمني، رغم أن عدة مئات من الشباب اقتربوا من السياج عند بضعة نقاط، بما في ذلك داخل مسافة الثلاثمئة متر المحددة من قبل السلطات الإسرائيلية، ورموا الحجارة أو حاولوا رفع العلم الفلسطيني في المنطقة. في الأيام التي سبقت المسيرة، كان عدد من سكان قطاع غزة، بعضهم مسلحون، اخترقوا السياج ودخلوا إلى إسرائيل. مع اقتراب نهاية ذلك اليوم، حاول رجلان مسلحان من حماس، بشكل منفصل عن الجموع المحتشدة، الاقتراب من السياج وتم قتلهما من قبل القوات الإسرائيلية، التي سحبت جثتيهما إلى إسرائيل.

إن عدد القتلى يوم الجمعة كبير بالنسبة ليوم واحد، لكنه يأتي في أعقاب سقوط عدد من القتلى خلال الاحتجاجات غير المسلحة على حدود قطاع غزة في السنوات الأخيرة. في الأسابيع الثلاثة التي تلت إعلان الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتزامه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قتل ثمانية فلسطينيين غير مسلحين، بما في ذلك رجل مقعد، على يد القوات الإسرائيلية خلال المظاهرات على الحدود مع غزة، طبقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"؛ وحدثت أعمال قتل أخرى خلال مظاهرات في الصيف الماضي احتجاجاً على قرار إسرائيل بوضع أجهزة كشف عن المعادن على بوابات المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة. بالنسبة للجيش الإسرائيلي – على عكس الشرطة الإسرائيلية – فإن مواجهة المتظاهرين غير المسلحين بالأسلحة العسكرية بدلاً من أدوات مكافحة الشغب هو نمط راسخ منذ تأسيس الدولة قبل سبعين عاماً.

مَن نظّم الاحتجاجات؟

استجاب المشاركون من جميع الأعمار ومن الجنسين بشكل حاشد لدعوة أطلقتها الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، وهي كيان أنشأته مجموعة من الفصائل والمنظمات الوطنية والإسلامية في الأراضي المحتلة والشتات. يسعى هؤلاء لكشف الاحتلال الإسرائيلي ومواجهته ولفت انتباه العالم إلى محنتهم. حماس تنظر إلى الاحتجاجات بوصفها وسيلة لمواجهة الحصار الذي تفرضه إسرائيل بوسائل سلمية، دون التسبب بحرب جديدة. بدأت التحضيرات للمسيرة قبل أشهر. ووافقت جميع الفصائل الفلسطينية على المشاركة وعلى إبقاء المظاهرات غير مسلحة. أعطت حماس تعليمات لأتباعها ولقوات الأمن بضمان عدم إظهار أي أسلحة بين المتظاهرين ولم يتم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية.

.ووافقت جميع الفصائل الفلسطينية على المشاركة وعلى إبقاء المظاهرات غير مسلحة

أقام المنظمون مخيمات كبيرة على طول السياج. وشجعوا سكان غزة الذكور على البقاء ليلاً، وزودوا المخيمات بالمراحيض، والمياه، والنقاط الطبية، وأماكن للصلاة ونقاط اتصال بالإنترنت. في بعض المناطق، مهّد المنظمون الأرض وأقاموا ملاعب كرة قدم لتشجيع المشاركين الشباب على البقاء. كما وفّرت حماس وغيرها من الفصائل النقل المجاني، حيث نقلت الباصات الأشخاص المجتمعين في المساجد في جميع أنحاء قطاع غزة إلى الحدود مباشرة بعد صلاة الجمعة. وطلبت حماس والجهاد الإسلامي من الأئمة المرتبطين بهما إلقاء خطب جمعة تشجع المصلين على المشاركة، وتذكرهم بواجباتهم حيال الكفاح الفلسطيني. وطلب من النساء إحضار جميع أفراد أسرهن في ذلك اليوم، وأن يتركن أبنائهن، وأزواجهن وأخوتهن في المخيمات في الليل.

لماذا تحدث هذه الاحتجاجات الآن؟

منظمو الاحتجاجات يقولون إنها تعكس تحولاً في الوعي الوطني الفلسطيني، ونجمت عن قرار ترامب، على حد تعبيره، "بإزاحة القدس عن الطاولة". ويضيفون أنه بالنسبة للفلسطينيين، لم يعد هناك مجال للشك في أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم الوطنية من خلال وساطة الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي. وهكذا فإن المسيرة تشكل محاولة من جانب الفلسطينيين للإمساك بزمام أمورهم بأنفسهم وتقرير مصيرهم، كما حاولوا فعله خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

في 15 أيار/مايو، اليوم الوطني للحداد على هروب وطرد ثلاثة أرباع مليون لاجئ فلسطيني، يخطط الفلسطينيون في قطاع غزة لعبور السياج الحدودي والمسير نحو قراهم الأصلية، التي دُمرت منذ العام 1948. ستخرج المظاهرات في لحظة متوترة؛ حيث تصادف اليوم الذي يلي احتفال إسرائيل بالذكرى السبعين لإعلان استقلالها وإقامة الولايات المتحدة حفلاً لافتتاح سفارتها في القدس.

.تخرج هذه المسيرة في وقت من المعاناة غير المسبوقة في قطاع غزة

تخرج هذه المسيرة في وقت من المعاناة غير المسبوقة في قطاع غزة. لقد تحمل سكان القطاع حصاراً مستمراً منذ أكثر من عقد من الزمن، وفُرضت قيود شديدة على الواردات، والصادرات والسفر من وإلى قطاع غزة، ما حوّل المنطقة إلى سجن حقيقي. معدلات بطالة الشباب تصل إلى نحو 60%، ومعدل البطالة العام أكثر من 40%. في آذار/مارس 2017، ساءت الظروف بشكل كبير عندما بدأت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية باتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة، على أمل الضغط على حماس للتخلي بشكل كامل عن سيطرتها على القطاع. قطعت السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في قطاع غزة، الذين طلب من معظمهم البقاء في بيوتهم منذ فوز حماس في الانتخابات وتوليها الإدارة في القطاع في العام 2007. كما أنها منعت المرضى من قطاع غزة من الحصول على التأمين اللازم للعلاج الطبي خارج القطاع، وامتنعت عن تقديم الأدوية وقلصت ما توفره من الكهرباء، ما تسبب بانقطاعات ازدادت سوءاً، وزادت من تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالَجة وأغلقت عدة مستشفيات ومستوصفات.

    بعد عدة أشهر من ممارسة هذه الضغوط، توصلت حركتا فتح وحماس; إلى اتفاق مصالحة في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2017، لكن لم يتم تحقيق تقدم يذكر على صعيد تنفيذ الاتفاق. يشكو المسؤولون الإسرائيليون الآن علناً من أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى جر حماس إلى حرب جديدة مع إسرائيل كوسيلة لشل خصمها السياسي. ويفسر المسؤولون الإسرائيليون المسيرة الحالية على أنها محاولة من جانب حماس للرد على ضغوط السلطة الفلسطينية بتوجيه غضب سكان قطاع غزة نحو إسرائيل. لكن سكان غزة يرون فيها لحظة نادرة من الاتحاد بعد أحد عشر عاماً من الصراع بين زعمائهم السياسيين ووصول هؤلاء الزعماء إلى طريق مسدود.

ما الذي يمكن فعله؟

ثمة الكثير مما يمكن وينبغي فعله بالنسبة لقطاع غزة، بصرف النظر عن المسيرات، على الأقل تزويد القطاع بمياه الشرب، والكهرباء ومعالجة الصرف الصحي. على السلطة الفلسطينية أن تتراجع عن إجراءاتها العقابية ضد قطاع غزة. كما ينبغي لمصر أن تفتح معبر رفح بشكل منتظم. وعلى إسرائيل زيادة صادرات وتصاريح الخروج من غزة واستخدام العائدات الضريبية من القطاع لتزويده بكميات أكبر من الكهرباء، بصرف النظر عن أي اقتطاعات تعتزمها السلطة الفلسطينية.

في حين أن ثمة حاجة ماسة لمثل هذه الخطوات لتخفيف حدة أزمة إنسانية من صنع البشر، فإن من شبه المؤكد أنها غير كافية لوقف المسيرات التي يتوقع أن يتم تسييرها من الآن وحتى 15 أيار/مايو، أو تقييد حركة المحتجين إذا قرروا الاندفاع نحو السياج أو عبوره. إن القضايا التي تدفع المشاركين في المسيرة أكبر بكثير من انهيار البنية التحتية في قطاع غزة؛ كما أنه لا يبدو أن إسرائيل، أو الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي يميلون لمعالجة هذه القضايا بطريقة جدية.

رغم ذلك، يمكن اتخاذ خطوات لتقليص مخاطر التصعيد، الذي سيتزايد بشكل كبير إذا قتل عدد آخر من المحتجين وإذا ردت حماس والفصائل الأخرى بالعنف. ينبغي على منظمي الاحتجاجات أن يفعلوا ما في وسعهم لإبقاء المسيرات سلمية؛ كما أن على إسرائيل أن تتوقف عن الرد على المظاهرات غير المسلحة بالقوة المميتة وغير المتكافئة. كما أن على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات متزامنة تتمثل في الضغط على إسرائيل كي لا تستخدم القوة غير المتكافئة، والانخراط في حوار مع حماس لتشجيعها على نبذ العنف والاستمرار في تبني الاحتجاج السلمي.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.