​A Syrian Democratic Forces (SDF) fighter watches a convoy of SDF vehicles travel north of Raqqa city, Syria, on 5 February 2017. REUTERS/Rodi Said​
Briefing / Middle East & North Africa 20+ minutes

محاربة تنظيم الدولة الإسلامية: الطريق إلى الرقة وما بعدها

إن حملة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سورية تستفيد من شراكتها مع تنظيم تابع لحزب العمال الكردستاني (PKK)؛ لكن ما يعقد الأمر هي حقيقة أنها شراكة مع تنظيم يحارب تركيا، حليفة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي. وستزداد التحديات مع انتقال الحرب ضد تنظيم الدولة إلى مناطق أبعد في شرق سورية.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

لمحة عامة

في الرقة، يواجه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في محاولته إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية أصعب اختباراته في سورية حتى الآن. إن التحدي الرئيسي في السيطرة على المدينة ذات الأغلبية العربية على نهر الفرات لا يكمن في المعركة نفسها، رغم أنها قد تكون مكلفة؛ بل إنه ينشأ بالتوازي مع الهجوم وسيكبر في اليوم الذي يليه. وسيتمثل أولاً في كيفية معالجة الديناميكيات الجيوسياسية المتفجرة المحيطة بالمعركة؛ والتي سبق وتسببت بالضربات الجوية التركية في 25 نيسان/أبريل ضد القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة في شمال شرق سورية ورفاقهم في شمال غرب العراق. وثمة مخاطرة كبيرة في حدوث المزيد من التصعيد. ويتمثل ثانياً في كيفية تأمين وحكم الرقة بعد انتزاعها من تنظيم الدولة الإسلامية. وأخيراً، في كيفية التعامل مع المعركة التي قد تكون أكثر أهمية مع تنظيم الدولة في محافظة دير الزور الغنية بالنفط على نهر الفرات.

يكمن أحد المصاعب الرئيسية في اختيار الولايات المتحدة لشريكها في اندفاعتها للسيطرة على الرقة. منذ أيلول/سبتمبر 2014، وقوات حماية الشعب الكردية تنسق مع الدور العسكري للولايات المتحدة في شمال سورية، المتوسع باضطراد لكن الذي لا يزال متواضعاً، حيث تتلقى دعماً على شكل ضربات جوية يوجهها التحالف. لقد أفرز هذا التعاون نجاحات عسكرية مهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لكنه أفضى أيضاً إلى توسيع المنطقة التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب بشكل كبير جداً. قد تكون وحدات حماية الشعب شريكاً محورياً لواشنطن، لكنها في الوقت نفسه شريك إشكالي أيضاً، لأنها الذراع السوري المسلح لحزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا والمدرج على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية، والعالق في حلقة من العنف مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الذي لا غنى عنه لجهود الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب ولأية جهود ترمي إلى وقف التصعيد وفي المحصلة إنهاء الحرب الأهلية السورية.

تعمل وحدات حماية الشعب الآن تحت راية قوات سورية الديمقراطية، وهي مظلة صممت لتيسير تجنيد العرب في صفوفها وتوفير درجة رمزية إضافية للفصل بين الدعم الأمريكي وحزب العمال الكردستاني. في حين أن قوات سورية الديمقراطية توسعت في الشهور الأخيرة لتشمل عدداً ملحوظاً من المقاتلين العرب، فإنها تبقى عملياً تحت قيادة وحدات حماية الشعب وتعتمد على الكوادر الأكراد الذين دربهم حزب العمال الكردستاني والذين يشكلون عمودها الفقري. يتضح هذا لكل من يتعامل مع قوات سورية الديمقراطية، ومن المؤكد أنه واضح للمسؤولين الأتراك، الذين ازداد احباطهم من دعم حليفتهم في حلف شمال الأطلسي لمنظمة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني بشكل مضطرد مع التقدم العسكري الذي تحققه هذه الوحدات.

Within this alphabet soup of acronyms lie difficult, potentially crucial decisions for the Trump administration.

في خضم هذه الطبخة المعقدة من التنظيمات، هناك قرارات صعبة وقد تكون حاسمة على إدارة ترامب اتخاذها. تركيا تضغط على الولايات المتحدة كي لا تستخدم قوات سورية الديمقراطية في السيطرة على الرقة، وتقترح أن عليها أن تتشارك مع أنقرة وحلفاءها في المعارضة السورية بدلاً من ذلك. غير أن المسؤولين الأمريكيين يرون أن قوات سورية الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب أكثر قدرة وفي موقع أفضل، وأن التنسيق بين الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية على الأرض عميق أصلاً. معظم المسؤولين الأمريكيين لا يرى في العرض التركي المقابل بديلاً قابلاً للحياة إذا كانت الولايات المتحدة ترغب بالسيطرة على المدينة خلال الأشهر القليلة القادمة.

طبقاً لمعظم الروايات، يبدو أن الإدارة الأمريكية استنتجت أن مزايا إخراج تنظيم الدولة الإسلامية من الرقة في أقرب وقت ممكن تبرر التكاليف المحتملة لإلحاق المزيد من الضرر بالتحالف الاستراتيجي لواشنطن مع أنقرة والمخاطر المرتبطة بمحاولة السيطرة على مدينة ذات أغلبية عربية يقطنها نحو 200,000 نسمة بوساطة قوة يسيطر عليها أكراد. يبقى هناك سؤالان محوريان: ما هي الخيارات المتوافرة لتخفيف تلك التكاليف والمخاطر؟ وكيف يمكنها الاستعداد للتحديات الأكثر جسامة التي تنتظرها إلى الشرق في دير الزور؟

تعرض هذه الإحاطة أربع نقاط رئيسية ينبغي دراستها وأربع توصيات للمساعدة في معالجتها. وتستند إلى أربع زيارات بحثية قامت بها مجموعة الأزمات إلى شمال سورية، اثنتان إلى سنجار في شمال العراق، وزيارة لمقر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل العراقية، ونقاشات موسعة مع مسؤولين كبار في وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، ومسؤولين أتراك وأمريكيين رفيعي المستوى؛ كما تستند إلى الحوارات المستمرة التي تجريها مجموعة الأزمات مع طيف واسع من الجهات الفاعلة والمؤثرة في الصراع.

تعددت الأسماء وسلسلة القيادة واحدة

وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، هما الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وما من احتمال يذكر في أن يغيرا علاقتهما العضوية مع الحزب الأم في المستقبل المنظور. كوادر حزب العمال الكردستاني التي لديها سنوات – وفي بعض الأحيان عقود – من الخبرة في صراع الحزب ضد تركيا يشغلون المناصب الأكثر نفوذاً داخل وحدات حماية الشعب، وبالتالي داخل سلسلة قيادة قوات سورية الديمقراطية؛ وداخل الهيئات المدنية الحاكمة التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي وتدير المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب؛ وكذلك داخل قوات الأمن، مثل الأسايش، التي تعد العمود الفقري لذلك الحكم. في حين أن معظم هذه الكوادر هم من الأكراد السوريين (رغم الأدوار المهمة التي يلعبها أيضاً أكراد من تركيا وإيران)، يبدو أن الولاء للتراتبية الداخلية لحزب العمال الكردستاني يطغى على العلاقات مع المجتمع المحلي. كما أن كثيرين منهم يعملون أيضاً خلف الكواليس، وبألقاب وظيفية تقلل كثيراً من سلطتهم الفعلية، بينما يتقلص دور المسؤولين الشكليين الذين يفتقرون إلى الصلات المباشرة بالحزب إلى مجرد واجهات. رغم أن هذا يمنح وجود حزب العمال الكردستاني في شمال سورية وجهاً محلياً، فإن حقيقة الجهة التي تفرض السلطة والنفوذ واضحة لأولئك الذين يعيشون هناك، وينبغي أن تكون واضحة أيضاً للمراقبين الخارجيين.[fn]لمزيد من التقارير التي أصدرتها مجموعة الأزمات مؤخراً حول المواضيع الواردة في هذه الإحاطة، انظر، بين تقارير أخرى، بيان، "سورية بعد الضربة الأمريكية: ما الذي ينبغي أن يحدث تالياً؟"، 11 نيسان/أبريل 2017؛ التقرير الخاص رقم 3، Counter-terrorism Pitfalls: What the U.S. Fight against ISIS and al-Qaeda Should Avoid, 22 March 2017؛ تقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 175، "معضلة حزب الله في سورية"، 14 آذار/مارس 2017؛ وإحاطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 49، "خطوات نحو تحقيق الاستقرار على حدود سورية الشمالية"، 8 نيسان/أبريل 2016؛ Europe & Central Asia Report N°77, A Sisyphean Task? Resuming Turkey-PKK Peace Talks, 17 December 2015؛ وتقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 158، "تسليح أكراد العراق: محاربة تنظيم الدولة، واستدراج الصراع"، 12 أيار/مايو 2015. كما ستنشر مجموعة الأزمات تقارير خلال الأسبوع القادم حول إدارة تركيا لصراعها مع حزب العمال الكردستاني وخيار الحزب في شمال سورية.Hide Footnote

بالنسبة للولايات المتحدة، يشكل هذا معضلة فريدة. في حين أن وحدات حماية الشعب لا غنى عنها في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، لا يمكن تجنب حقيقة أن الولايات المتحدة تدعم قوة عسكرية في سورية تقودها كوادر درّبها حزب العمال الكردستاني، بينما يظل الحزب نفسه حركة متمردة مسلحة ضد حليف في حلف شمال الأطلسي. صحيح أن تركيا أيضاً تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن التصعيد مع حزب العمال الكردستاني الذي حدث منذ عام 2015. إلا أن المسؤولين الأتراك يشيرون إلى ما يعتبرونه معايير أمريكية مزدوجة؛ حيث تستمر الولايات المتحدة بالتعامل مع المجموعة السورية الجهادية، هيئة تحرير الشام (التي عرفت سابقاً بجبهة النصرة وجبهة فتح الشام على التوالي) على أنها فرع للقاعدة، وتجادل بأن أيديولوجيتهما المشتركة، وأهدافهما المشتركة وولاءهما لزعيم مشترك (أيمن الظواهري) يجعل من تخلي هيئة تحرير الشام عن صلاتها التنظيمية بالقاعدة أمراً لا معنى له. تركيا، بدورها، تطبق منطقاً مماثلاً على علاقة حزب العمال الكردستاني بوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).

 إن الخبرة والانضباط وهيكليات القيادة والتحكم لدى الكوادر التي دربها حزب العمال الكردستاني قد مكنت وحدات حماية الشعب من العمل بقوة أكبر من وزنها العسكري، ومن زيادة عدد المنتسبين إليها بسلاسة وتأمين المناطق الخاضعة لسيطرتها – التي باتت تشمل الآن مناطق واسعة من الأرض تغطي معظم شمال شرق سورية، كما تشمل بشكل منفصل كانتون عفرين شمال حلب. منذ أيلول/سبتمبر 2014، جعلتها هذه العوامل شريكاً جذاباً على نحو خاص للمجهود العسكري الأمريكي، خصوصاً بالمقارنة مع فصائل المعارضة السورية الأقل تنظيماً، والأكثر انقساماً والأقل خبرة عسكرية والتي استفادت من الدعم الأمريكي في مناطق أخرى من البلاد.

كما توفر أيديولوجيا حزب العمال الكردستاني ــ وهي نتاج فلسفة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان التي لا تزال قيد التطوير وصنمية القائد التي بنيت حوله ــ مزايا معينة أيضاً. فعناصر وحدات حماية الشعب العقائديون يقاتلون بحماسة واندفاع تنافس ما لدى أكثر الجهاديين تشدداً؛ كما يقدم تأكيد أوجلان على توسيع أجندة حزب العمال الكردستاني لتتجاوز القومية الكردية إطاراً فكرياً يسهّل تجنيد المقاتلين الجدد – في قوات سورية الديمقراطية وحتى في وحدات حماية الشعب نفسها – من مكونات أخرى من المجتمع السوري. (أما ما إذا كان المجندون الجدد ملتزمون بأيديولوجيا حزب العمال الكردستاني، فتلك مسألة أخرى – ومسؤولو قوات سورية الديمقراطية يعترفون بأن الكثير منهم ليسوا كذلك.)

لكن رغم كل هذا النجاح الذي حققته الوحدات، فإن مقاربة حزب العمال الكردستاني في الحكم واستمراره في منح الأولوية للتمرد المسلح داخل تركيا تترك السوريين المرتبطين بها عرضة لنقاط ضعف رئيسية ستصبح أكثر حدة مع محاولتهم انتزاع الرقة والسيطرة عليها.

وحدات حماية الشعب تخاطر بالتوسع بشكل يتجاوز قدرتها على السيطرة

إن دور الكوادر المدربة على يد حزب العمال الكردستاني محوري أيضاً في مسألة الحكم. إنهم يشغلون أكثر المناصب نفوذاً في قوات الأمن (الأسايش) التي تسيطر على هذه المناطق وعلى "الإدارة الذاتية الديمقراطية" التي تديرها. بصرف النظر عن الخطاب الذي يستخدمونه، فإن حكمهم ينطوي بشكل جوهري على حكم الحزب الواحد القائم على عقد اجتماعي يستند إلى ثلاث دعامات: النجاح العسكري، والأمن، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الضرورية للمحافظة على الحياة اليومية. لقد أنشأت الإدارة الذاتية جملة متعددة الطبقات من الهيئات المحلية المصممة، نظرياً، لتعزيز المشاركة الواسعة في الحكم؛ أما من حيث الممارسة، فإن هذه الهيئات لا تمتلك سلطة ذات معنى أو نفوذاً سياسياً. إنها بالأحرى آليات لاستيعاب السكان المحليين واستمالتهم من خلال تمكينهم من الحصول على الخدمات.

في المناطق ذات الأغلبية الكردية، يبدو هذا النموذج مستداماً في الوقت الراهن. لكن تكثر الشكاوى، خصوصاً فيما يتعلق بالتجنيد الإجباري، والمعالجة الفوضوية للإدارة الذاتية للنظام المدرسي، وانقطاع الكهرباء بشكل متكرر والاعتقالات العشوائية للخصوم السياسيين الأكراد لحزب الاتحاد الديمقراطي. وثمة مشكلة كبيرة جداً تتمثل في الاقتصاد، المقيد بشدة بسبب إغلاق تركيا لحدودها مع المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب. على الحدود العراقية، تقيد حكومة إقليم كردستان (التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس، والحليف الوثيق لتركيا) التجارة وتقصرها على كميات هزيلة لا يمكن الاعتماد عليها. رغم كل ذلك، وبالحكم عليها بالمعايير البائسة لسورية في زمن الحرب، فإن النتيجة النهائية لهذه الحوكمة تبدو إيجابية؛ فالمناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب أكثر أماناً وأفضل إدارة من تلك التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، والأجهزة الأمنية أقل توحشاً من أجهزة النظام وتنظيم الدولة الإسلامية. علاوة على ذلك، هناك الفخر الكردي الواضح، حتى بين بعض منتقديها، بالإنجازات العسكرية التي حققتها وحدات حماية الشعب وبالمدى الذي تمكنت فيه من تحقيق تحول في اللغة والثقافة الكردية من لغة وثقافة مقموعتين إلى لغة وثقافة مهيمنتين محلياً.

لكن خارج المناطق ذات الأغلبية الكردية، فإن نموذج الحكم هذا يبدو هشاً. بات الآلاف من العرب يشاركون الآن في المجهود العسكري الذي تقوده وحدات حماية الشعب – سواء بسبب التجنيد الإجباري، أو الحاجة إلى الرواتب أو الرغبة بتحرير مناطقهم من تنظيم الدولة الإسلامية. لكنهم يفعلون ذلك نيابة عن منظمة تتعارض ثقافتها شديدة العلمانية مع الأعراف المحلية، ويرى كثيرون في هويتها الكردية تهديداً، كما أنها لم تظهر ميلاً لتقاسم السلطة بشكل ذي معنى.

لقد كانت جهود وحدات حماية الشعب (وإدارتها الذاتية) لإشراك العرب في مشروعها جزئية واعتباطية ولا ترقى إلى منحهم حصة ذات معنى في الحكم. الخطاب الرسمي يتحدث عن المشاركة الجماعية والتعددية، لكن أعلام وحدات حماية الشعب وصور أوجلان تزين الشوارع وساحات المدن (بما في ذلك في المناطق ذات الأغلبية العربية) بالطريقة المعتادة لحكم الحزب الواحد الاستبدادي في أمكنة أخرى في المنطقة. الشخصيات العربية المستعدة للمشاركة في الإدارة الذاتية تمنح ألقاباً طنانة لكن دون أي سلطة حقيقية. وهيئات الحكم المحلي تعمل كقنوات لنقل الشكاوى والعرائض وليس كمنصات للمشاركة الفعالة، في حين أن السلطة النهائية لصنع القرار هي في أيدي الكوادر المدربة على يد حزب العمال الكردستاني. إضافة إلى ذلك، فإن هذه المؤسسات تقتصر على توزيع الخدمات الشحيحة التي من غير المرجح أن تشتري ولاء مواطنين متشككين.

Arbitrary detentions are a particularly common complaint.

وهذا يترك توفير الإدارة الذاتية للأمن بوصفه الدعامة الرئيسية لادعاءاتها بالشرعية في مناطق ذات الأغلبية العربية. لكن حتى هذه الميزة يمكن أن تتحول إلى عبء؛ حيث يبدو السكان مرتاحون لدرجة الأمان والنظام السائدين، لكنهم في نفس الوقت حذرون من قوات الأمن (الأسايش) التي يهيمن عليها أكراد وتقودها كوادر حزب العمال الكردستاني. خلال زيارة قامت بها مجموعة الأزمات في آذار/مارس 2017 إلى مدينة تل أبيض ذات الأغلبية العربية وإلى المناطق المجاورة، كانت جهود الأسايش لنشر المجندين العرب على الحواجز بارزة لكن غير ذات أهمية في أعين بعض السكان العرب. على حد تعبير مواطن عربي يشارك في الإدارة الذاتية، فإن "معظم المشاكل التي يطلب من الإدارة الذاتية حلها تسببت بها قوات الأمن في المقام الأول". موظف آخر أضاف: "المجندون العرب لا يتمتعون بأي سلطة؛ و [مشاكل] الناس سببها كوادر الأسايش". تشكل الاعتقالات العشوائية شكوى مألوفة وتذكّر بأن نجاح وحدات حماية الشعب والأسايش في الحد من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية ينبغي قياسه بالمقارنة مع التكتيكات ثقيلة الوطأة التي تستخدمها، والتي يمكن أن تتسبب في دفع مجندين جدد إلى أحضان التنظيم.

نتيجة لذلك، من السهل تخيل كيف أن توسع سيطرة وحدات حماية الشعب إلى مراكز سكانية عربية إضافية من شأنه أن يوصل قدرتها على الحكم إلى نقطة الانكسار. إذا استولت قوات حماية الشعب وحلفاؤها فعلياً على الرقة، فإن السيطرة عليها وتحقيق الاستقرار فيها من خلال النموذج الحالي للمنظمة يمكن أن يحدث أثراً عكسياً، ويفضي إلى إعادة نشوء تمرد مسلح في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية (وما يصاحب ذلك من نشوء شبكات الابتزاز) ، – وهي نفس الطريقة التي سمحت لسلف التنظيم (القاعدة في العراق) بالبقاء والعودة إلى النهوض من هزيمة ظاهرية قبل عشر سنوات.

يبقى شمال سورية مرتبطاً بالصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني

رغم جدية تحديات الحكم هذه، إلا أن الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني هو الذي يشكل التهديد الأكبر لوحدات حماية الشعب وبالتالي لأهداف الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب في سورية. تأكدت هذه الحقيقة بالضربات الجوية التركية في 25 نيسان/أبريل لأهداف لوحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في شمال سورية وفي سنجار (شمال غرب العراق)، التي ذكر أنها قتلت عشرين من مقاتلي وحدات حماية الشعب، وفي ما يبدو أنه بالخطأ، خمسة من قوات البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني التي تقاسم السيطرة على سنجار بشكل متوتر مع قوات مدعومة من خصمها حزب العمال الكردستاني. من شأن عمل عسكري تركي أكثر اتساعاً أن يشكل عائقاً جدياً للهجوم الذي تشنه قوات سورية الديمقراطية المدعومة أمريكياً على مدينة الرقة، وذلك بإجبار وحدات حماية الشعب على تحويل مواردها إلى الدفاع عن نفسها. وحتى لو سارت الحملة على الرقة بشكل سلس، فإن التهديد الذي تشكله تركيا سيبقى قائماً.

على النقيض من المناطق الجبلية التي يعمل فيها حزب العمال الكردستاني بشكل رئيسي في تركيا وشمال العراق (حيث يحتفظ الحزب بمقره)، فإن الأراضي السورية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب منبسطة ولا تسمح بحرب العصابات التي يتفوق فيها مقاتلوها. إذا قررت أنقرة القيام بتدخل عسكري كبير ضد وحدات حماية الشعب – الحزب الديمقراطي الكردي (PYD) في شمال سورية، فإن حزب العمال الكردستاني والفصائل المرتبطة به نفسها لا تستطيع فعل الكثير لوقف تقدم سريع للجيش التركي الذي يمتلك قدرات كبيرة وعتاداً متطوراً. كانوا يأملون بأن وجود الولايات المتحدة، وإلى حد أقل، الطواقم الروسية في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب سيردع مثل هذا الهجوم. كانت تلك مقامرة، وكما تظهر الضربات الجوية التركية، فإن مخاطر تلك المقامرة سترتفع بمرور الوقت.

Ankara is also concerned that a lead role for the YPG in Raqqa will deepen its alliance with Washington.

في حين أن الخطاب العام للقيادة التركية يتذبذب بشكل جذري (خصوصاً مع التحضيرات للاستفتاء على الصلاحيات الرئاسية الذي جرى في 16 نيسان/أبريل)، فإن الرسالة التي ينقلها المسؤولون الأتراك في مجالسهم الخاصة ظلت ثابتة نسبياً: وحدات حماية الشعب –وحزب الاتحاد الديمقراطي هما جزء لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني؛ وقد استخدم ذلك الحزب عناصر وحدات حماية الشعب ومواردها وتكتيكاتها وخبراتها القتالية الجديدة في عمليات عسكرية داخل تركيا (وهذه التهمة من الصعب التأكد منها) ؛ وطالما استمر التمرد المسلح لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا فإن وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي سيظلان في مرمى الاستهداف العسكري التركي. المسؤولون الأتراك وصفوا الضربات الجوية التي شنت في 25 نيسان/أبريل بأنها تهدف إلى تعطيل جهود حزب العمال الكردستاني لنقل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود السورية والعراقية لدعم عملياته في تركيا. لكن أنقرة قلقة أيضاً من أن دوراً قيادياً لوحدات حماية الشعب في الرقة سيعمق من تحالفها مع واشنطن، وسيضيف إلى شرعيتها الدولية، وبالتالي سيعزز الموقع الاستراتيجي لحزب العمال الكردستاني. وبالنظر إلى توقيت الضربات، فإن إعاقة التحضيرات لهجوم على الرقة بقيادة وحدات حماية الشعب قد يكون دافعاً محورياً آخر.

قبل الضربات، بدا أن عملية وحدات حماية الشعب على الأرض مع الولايات المتحدة وروسيا هي العامل الرئيسي للحد من العنف المباشر بينها وبين تركيا. المثال الأكثر بروزاً حدث في شباط/فبراير – آذار/مارس 2017، عندما بدأت تركيا بالضغط على القوات المحلية التي تدعمها وحدات حماية الشعب خارج منبج، وهي مدينة تقع غرب نهر الفرات انتزعتها قوات سورية الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب من تنظيم الدولة الإسلامية في آب/أغسطس 2016. انسحب مقاتلو وحدات حماية الشعب لاحقاً إلى محيط المدينة، وتركوا السكان المحليين ليكونوا الواجهة للأمن والحكم. إلا أن هذه منطقة ذات حساسية خاصة بالنسبة لتركيا، التي تفهم أن منبج تشكل سلسلة أساسية في جهود وحدات حماية الشعب لربط المناطق التي تسيطر عليها في الشمال الشرقي بعفرين، وترى في استمرار سيطرة وحدات حماية الشعب، تحت قناع غير مقنع، انتهاكاً لتطمينات أمريكية سابقة بأن الوحدات ستنسحب إلى الضفة الشرقية للنهر. في هذه الحالة، فإن واشنطن وموسكو ناورتا بنجاح، دون تنسيق فيما يبدو، لردع الهجوم التركي؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة عربات مدرعة تظهر عليها العلامات والرموز الأمريكية بوضوح لتسيير دوريات في المناطق الحساسة على طول الجبهة، بينما توسطت روسيا في اتفاق بين وحدات حماية الشعب والنظام السوري على نشر مجموعة صغيرة من قوات النظام والقوات الروسية لتشكل عازلاً بين وحدات حماية الشعب والقوات المدعومة من تركيا.

The fact that U.S. objections failed to deter Turkey’s 25 April strikes should serve as a warning for what could lie in store.

في حين نجحت مثل هذه المناورات في منع حدوث المزيد من التصعيد في بعض الحالات، فإن حزب العمال الكردستاني يقوم بمخاطرة كبيرة بالاستمرار في تمرده المسلح داخل تركيا بينما يتوقع من واشنطن وموسكو أن تحميا المجموعات المرتبطة به في سورية من الرد الانتقامي التركي. رغم أن لدى الولايات المتحدة حافز قوي لتأمين وحدات حماية الشعب بينما تستمر الهجمات على تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها من المرجح أن تنظر في المحصلة إلى علاقاتها مع تركيا – العضو في حلف شمال الأطلسي والحليف المحوري – على أنها أكثر أهمية لمصالحها الاستراتيجية الأوسع. بالمقابل، فإن حسابات روسيا تستند إلى رغبتها بالمحافظة على حليفها، النظام السوري، الذي يسعى هو نفسه لفرض سيطرته داخل المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب حالما يستعيد القدرة على فعل ذلك. ينبغي أن تشكل حقيقة أن اعتراضات الولايات المتحدة فشلت في ردع الضربات الجوية التركية في 25 نيسان/أبريل تحذيراً ونذيراً بما يمكن أن تخبئه الأيام. إذا تم الاستيلاء على ما تبقى من معاقل تنظيم الدولة الإسلامية الشرقية، وعندما يحدث ذلك، فإن الطبيعة الملحة للتهديد الجهادي تبدأ بالانحسار، وقد تجد وحدات حماية الشعب نفسها منكشفة بشكل خطير.

حتى على المدى القصير، فإن مخاطر التصعيد الإضافي تبقى حقيقية ويمكن أن تزداد إذا عادت هجمات حزب العمال الكردستاني في تركيا إلى التصاعد من جديد بعد الهدوء الذي شهدته خلال فصل الشتاء. يبقى من الممكن أن تقوم تركيا بعمل عسكري أكثر اتساعاً ضد وحدات حماية الشعب في سورية، خصوصاً إذا تصاعدت التوترات. إلا أن الاحتمال الأكثر رجحاناً هو حدوث تدخل تركي إضافي على الجانب العراقي من الحدود، حيث احتفظ حزب العمال الكردستاني بوجود مهم في سنجار منذ ساعد في انتزاع السيطرة على البلدة الإيزيدية من تنظيم الدولة الإسلامية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. يمكن لتوسيع سيطرته هناك للتواصل مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران القريبة منه أن يفتح طريقاً يصل المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سورية مع بغداد – ما يشكل ممراً تجارياً يمكّن وحدات حماية الشعب من الفكاك من الحصار الاقتصادي وربما تأسيس ممر بين إيران والبحر الأبيض المتوسط يكون تحت سيطرة حلفاء إيران (ميليشيات "الحشد الشعبي" والنظام السوري)، وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب.

تركيا تعتبر تعميق العلاقات بين إيران وحزب العمال الكردستاني في منطقة قريبة جداً من حدودها تهديداً، وتخشى أن يصبح جبل سنجار قاعدة لوجستية جديدة لحزب العمال الكردستاني وربما تشك في قدرة حليفها الكردي، الحزب الديمقراطي الكردستاني، على احتواء حزب العمال الكردستاني بمفرده. جدير بالملاحظة أن الرئيس رجب طيب أردوغان قال إن العمليات العسكرية التركية ستستمر من أجل منع تحول سنجار إلى قاعدة لحزب العمال الكردستاني. من شأن المزيد من العمليات التركية هناك أن يتردد صداها بعنف في شمال سورية وتركيا. كما يمكن أن تفاقم من الضغوط المحلية على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يمكن لخصومه أن يستغلوا أي انتهاك للسيادة العراقية لا يرد عليه من أجل تقويض سلطته.

معركة أكثر أهمية وضراوة إلى الشرق

في حين استحوذت الرقة على الاهتمام الغربي بوصفها عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية بحكم الأمر الواقع ومحوراً لمخططاته الدولية، سيتبين أن مستقبل دير الزور سيكون على الأرجح أكثر أهمية بالنسبة لمصير التنظيم وسيكون له تبعات أكبر على المسار اللاحق للحرب. مدينة دير الزور، الواقعة على نهر الفرات بين الرقة والحدود العراقية، تشكل أكبر مركز حضري (حيث كان عدد سكانها قبل الحرب يبلغ 240,000 نسمة)، وتحتوي المنطقة المحيطة بها – ومعظمها لا يزال تحت سيطرة التنظيم – أهم حقول النفط في البلاد. لا يزال النظام السوري يسيطر على مطارها وعلى جزء من المدينة على الضفة الغربية للنهر، لكن قواته (وحوالي 72,000 مدني يعيشون في هذه المناطق) تحت حصار كامل من قبل التنظيم وبالتالي فإنهم يعتمدون على المؤن التي تحملها إليهم طائرات النظام والطائرات الروسية.

تشكل مدينة دير الزور والبلدات الواقعة على ضفاف النهر إلى جنوبها الشرقي – بما في ذلك الميادين والبوكمال – الصلة الجغرافية بين الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سورية وغرب العراق، وستزداد أهميتها بالتأكيد مع خسارة التنظيم للموصل، والرقة ومناطق أخرى في محيطهما. لقد بدأت تقارير بالظهور تشير إلى قيام تنظيم الدولة الإسلامية بنقل أسر وطواقم وموارد من الرقة إلى هذه المناطق مع اقتراب قوات سورية الديمقراطية من المدينة. عندما تسيطر الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة على الرقة، فإن النواحي الوظيفية لدورها بوصفها عاصمة للتنظيم ربما تكون تغيرت. بعبارة أخرى، فإن المعركة للسيطرة على هذه المناطق قد تكون حاسمة في تدمير قدرة ومجال التنظيم على حكم الأراضي.

غير أن الرهانات في دير الزور تتجاوز بكثير عملية إخراج تنظيم الدولة الإسلامية؛ فهي تشمل مستقبل حكم نحو مليون سوري يعيشون تحت سيطرة التنظيم (أو يخضعون لحصاره)، وهم السكان العرب السنة الذين تجذرت بينهم الانتفاضة المناهضة للنظام عام 2011 والذين شهدوا بعض أشرس أشكال العنف بين فصائل المعارضة المحلية وتنظيم الدولة مع سيطرة هذا الأخير على المحافظة عام 2014. كما أن هناك النفط، الذي يوفر مصدراً مباشراً للدخل لكل من يسيطر عليه، ويوفر نفوذاً محتملاً في أي مفاوضات نهائية على مستقبل سورية. وهناك الموقع الاستراتيجي لدير الزور، وهي نقطة تستحق تأكيداً خاصاً؛ إذ إن من يسيطر على دير الزور والبلدات الواقعة على ضفاف النهر إلى شرقها يسيطر على مفرق طرق بين سورية ووسط العراق (حيث لا يزال تنظيم الدولة يحتفظ بمناطق محاذية للحدود السورية).

بالنسبة لصناع السياسات الأمريكيين، فإن دير الزور تشكل معضلات تتناسب مع أهميتها. حتى لو تبين أن فرض السيطرة على الرقة أسهل مما كان متوقعاً، فإن محاولة السيطرة على دير الزور بالاعتماد بشكل أساسي على قوات سورية الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب سيكون خطيراً جداً؛ حيث إن مخاطر التوسع الذي أشير إليه آنفاً والتحديات الديمغرافية أكبر بكثير هناك. من المؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية سيحاول استغلال سمعة قوات سورية الديمقراطية بوصفها قوة يهيمن عليها الأكراد، وقد ينجح في حشد بعض السكان المحليين (حتى من الذين ينتقدون التنظيم) إلى جانبه ضد تهديد مشترك تشكله ما يعتقد أنها قوة غازية. في هذه الحالة، من شأن الدفاع الناجح أن يسمح للتنظيم بالتماسك والرد، وأن يعزز جهوده كي يبدو بمظهر المدافع عن العرب السنة الذين يرون في أنفسهم الطرف الخاسر في سورية والعراق على حد سواء. حتى لو نجح الهجوم، فإن حكم المنطقة يتطلب إدارة ديناميكيات قبلية ومحلية معقدة في مجتمع بعيد عن المجتمعات الكردية التي أثبتت إدارة وحدات حماية الشعب – حزب الاتحاد الديمقراطي أنها الأكثر نجاحاً فيها، بينما تتصدى للتحديات المحتملة لتمرد مسلح ووجود مستمر للنظام. إن الوضع يحتوي على جميع مكونات مستنقع خطير.

ولكن في حال قررت الولايات المتحدة أن تنتظر وتتوقع أن يتمكن النظام وحلفاؤه من استعادة السيطرة على المدينة، فهذا يبدو إشكالياً أيضاً. أولاً، إن قدرة النظام على الدفاع عن موطئ قدمه في المدينة بلغت أصلاً حدها وستتعرض لاختبار آخر إذا انتقل عدد إضافي من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى دير الزور من الرقة. ثانياً، إن النقص المزمن الذي يعاني منه النظام في عدد مقاتليه يشير إلى أن أي محاولة جادة للسيطرة على دير الزور ستعتمد إلى درجة كبيرة على مقاتلين أجانب في الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران – وهي قوات من المرجح أن تدفع السكان المحليين إلى أحضان التنظيم أكثر مما تدفعهم قوات سورية الديمقراطية، وتعزز شهادات اعتماد التنظيم "السنية" بصرف النظر عن حصيلة الصراع.

[R]elying on the regime to deliver the final blow to ISIS could simply turn into a drawn-out wait.

إذا نجح النظام وشركاؤه في بسط سيطرتهم على دير الزور، فإن من شأن المكاسب التي قد تحققها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ضد تنظيم الدولة الإسلامية على الجانب العراقي من الحدود أن تؤدي إلى إقامة ممر بري متواصل من إيران إلى البحر المتوسط أفضل من ممر سنجار الموصوف أعلاه، حيث سيكون بشكل أساسي تحت سيطرة حلفاء إيران الموثوقين (بدلاً من المرور عبر مناطق حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب). ولا شك في أن شركاء واشنطن الإقليميين سيعتبرون ذلك انتكاسة استراتيجية خطيرة، وكذلك الإدارة الأمريكية المصممة على احتواء نفوذ إيران. لكن من المرجح بالقدر نفسه أيضاً أن التعويل على قدرة النظام على توجيه الضربة الأخيرة لتنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يتحول ببساطة إلى فترة طويلة من الانتظار؛ فحتى الآن لم تُبدِ دمشق رغبة كبيرة بالتحول إلى الهجوم في المنطقة الشرقية، لأنه من منظورها، قد يبدو من الأقل كلفة المحافظة ببساطة على وجودها في المدينة، خصوصاً وأن نقل القوات نحو دير الزور يمكن أن يترك ثغرات تتقدم منها المعارضة المسلحة في أماكن أخرى.

ثمة قوة ثالثة محتملة تتكون من فصائل في المعارضة معادية لتنظيم الدولة الإسلامية موجودة في الصحراء الجنوبية الشرقية وفي جبال القلمون الشرقية. وهذه تشمل مجموعة رئيسية من المقاتلين هم أصلاً من محافظة دير الزور أخرجهم التنظيم منها قبل حوالي ثلاث سنوات، ومن هنا قد تكون لهم فرصة أفضل للحصول على الدعم المحلي. حققت هذه الفصائل مكاسب ضد التنظيم في آذار/مارس 2017 وتتلقى أصلاً دعماً مادياً من الولايات المتحدة ودول أخرى داعمة للمعارضة ــ معظمها من خلال غرفة عمليات سرية تدار بالتعاون مع الأردن ودول أخرى راعية للمعارضة، بينما تشارك مجموعة صغيرة في برنامج علني يديره البنتاغون. عدد هؤلاء حالياً أقل من أن يكفي للعب دور القيادة في دير الزور، كما أنهم لا يمتلكون القدرات العسكرية أو التماسك الذي يمكنهم من فعل ذلك في المستقبل المنظور. لكن يمكن القول إن توسيع الدعم الأمريكي من شأنه أن يمكنهم من لعب دور هام هناك كجزء من تحالف أوسع من القوى المدعومة من الولايات المتحدة يمكن أن يشمل أيضاً عناصر من قوات سورية الديمقراطية (انظر التوصيات أدناه).

 لدى النظر فيما إذا كان ينبغي الاستثمار في مثل هذا المجهود، يواجه المسؤولون الأمريكيون عقبات مألوفة. صحيح أن بعض المشاكل التي شابت دعم الفصائل المعارضة في مناطق أخرى ليست عاملاً مهماً في الجنوب الشرقي؛ حيث إن التنسيق بين الدول الداعمة من خلال الأردن أفضل من ذاك الذي يحدث من خلال تركيا فيما يتعلق بالفصائل المعارضة الشمالية؛ كما أن العدد الأصغر من الفصائل المعنية مباشرة يجعل إدارتها أسهل؛ إضافة إلى أن جهاديي هيئة تحرير الشام لا يشكلون لاعباً مهماً في المنطقة. رغم ذلك، فإن غياب تراتبية راسخة وقيادة مهيمنة يجعل من مخاطرة التجزؤ أكبر مما هي داخل قوات سورية الديمقراطية ويعقّد احتمال تقديم الدعم التكتيكي في ميدان المعركة. كما أن هناك التحدي الإضافي المتمثل في كيفية معالجة سيطرة النظام على جزء كبير من مدينة دير الزور (على فرض أنه قادر على الدفاع عن موطئ قدمه المحاصر مع ما يرجح من انتقال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية إلى المنطقة)، واحتمال أن تندفع قوات النظام والقوات الحليفة لها من تدمر التي يسيطر عليها النظام لإحباط أو تعطيل جهود المعارضة المدعومة أمريكياً في دير الزور.

توصيات للسياسة الأمريكية

إن الحصول على درجة من الموافقة التركية على عملية الرقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية أمر جوهري. وهذا صحيح ليس فقط بسبب قدرة أنقرة على تعطيل العملية (كما بينت ضرباتها الجوية في 25 نيسان/أبريل)، بل أيضاً لأن تركيا تسيطر على حدود سورية الشمالية وتتمتع بنفوذ لدى فصائل المعارضة غير الجهادية، ما يجعلها شريكاً أساسياً في أي جهد لإضعاف هيئة تحرير الشام، الفصيل الجهادي الرئيسي الآخر في سورية. من شأن المزيد من التردي في العلاقات بين واشنطن وأنقرة أن يوفر أيضاً فرصاً لموسكو للاصطياد في الماء العكر. لكن إذا كانت إدارة ترامب غير قادرة على تأمين مشاركة تركية كافية، فإن من شأن التوصيات الآتية أن تخفف من آثار الخلاف مع تركيا وتحسين آفاق الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سائر أنحاء حوض الفرات.

Aim for a halt in major PKK attacks in Turkey by pressing PKK-trained cadres in Syria to see the crossroads ahead

  1. العمل على وقف الهجمات الكبيرة لحزب العمال الكردستاني في تركيا وذلك بالضغط على الكوادر التي دربها الحزب الموجودة في سورية لرؤية مفترق الطرق الذي يلوح في الأفق

في المحصلة، سيترتب على حزب العمال الكردستاني أن يختار بين أن يجعل من تمرده المسلح داخل تركيا أولوية رغم المخاطرة، أو أن يقلص أنشطته العسكرية داخل تركيا لحماية مشروعه في سورية. الدعم الأمريكي على الأرض ومن الجو في سورية ربما يؤخر النقطة التي ينبغي عندها اتخاذ القرار وذلك بردع الهجوم التركي مؤقتاً (وجزئياً فقط). لكن عند سؤال الشخصيات القيادية في حزب العمال الكردستاني والفصائل المرتبطة به عن مخططاتهم لمعالجة مشكلتهم مع تركيا حالما تصرف الولايات المتحدة اهتمامها عن شمال سورية، فإنهم يجيبون بتفاؤل غير مبرر. على سبيل المثال، تشير إحدى روايتهم إلى أن القيادة التركية الحالية مع مرور الوقت ستنفّر شركاءها الغربيين بما يكفي لجعلهم يختارون التحالف مع وحدات حماية الشعب بدلاً من تحالفهم مع أنقرة. رد مألوف آخر يقول إن "تركيا اليوم تشبه سورية عام 2011"، وأن البلاد المتجهة نحو حرب أهلية يشارك فيها العديد من اللاعبين ستتيح فرصاً جديدة للأكراد.

المسؤولون الأمريكيون يجتمعون بشكل منتظم مع نظرائهم في وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي. ينبغي أن يستمروا في دحض هذه الأوهام ومساعدة قوات حماية الشعب على فهم القيود الجيوسياسية التي تعمل من خلالها: الولايات المتحدة تعتبر تركيا محورية في جهودها لاحتواء إيران، والتوازن مع روسيا ومواجهة الجماعات الجهادية، وبالتالي فإنها ستظل حليفاً رئيسياً. من غير المرجح أن يحدث وقف كامل لهجمات حزب العمال الكردستاني في غياب اتفاق متبادل بين التنظيم الكردي وأنقرة – وهو احتمال يبدو بعيداً في هذه المرحلة. رغم ذلك، على الولايات المتحدة أن تضمن أن وحدات حماية الشعب تعي أن واشنطن تفهم عمق الصلات بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وأن تحذرها من أن استمرار التفجيرات الكبيرة التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في تركيا ــ كتلك التي استهدفت قوات الأمن في مناطق مزدحمة في أنقرة واسطنبول وديار بكر ــ سيكون لها دون شك تبعات سلبية مباشرة على علاقات الولايات المتحدة مع المنظمات المرتبطة بالحزب في سورية.

1. Attempt to mediate a deal in Sinjar

  1. محاولة التوسط للتوصل إلى اتفاق في سنجار

يحمل تقييد حكومة إقليم كردستان التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني للتجارة بين شمال العراق والمناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سورية تبعات غير مقصودة؛ حيث إنها ترفع الأهمية الاستراتيجية لوجود حزب العمال الكردستاني في سنجار، وهو ما تعتبره وحدات حماية الشعب وسيلة لفتح طريق إلى بغداد يحد من اعتمادها على الممرات التجارية التي تسيطر عليها دمشق. من حيث المبدأ، فإن اتفاقاً محتملاً من شأنه أن يعالج مخاوف جميع الأطراف: انسحاب حزب العمال الكردستاني من سنجار (كما يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا) مقابل فتح الحزب الديمقراطي الكردستاني الحدود بشكل كامل أمام التجارة (وهو ما من شأنه تخفيف الضغوط الاقتصادية على المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب). لن يكون هذا سهل التحقق، لكن العلاقات الأمريكية الوثيقة مع وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي تجعل من تحقيق هذا المسار أمراً يستحق المحاولة. وإذا تحقق، فإنه على الأقل سيؤدي إلى نزع فتيل في هذا الصراع المتفجر متعدد الأطراف والعابر للحدود. لقد أظهرت الولايات المتحدة أصلاً قدرتها واستعدادها لاستخدام نفوذها في شمال العراق عندما أوقفت مؤقتاً كل المساعدات العسكرية لإقليم كردستان بعد أن أوقف الإقليم شحن المساعدات العسكرية الأمريكية إلى وحدات حماية الشعب في آذار/مارس 2017، فقامت حكومة إقليم كردستان فوراً بفتح ممر الأسلحة.

2. Push the YPG to establish a new governance model in Raqqa, and provide planning and resources to make it possible

  1. دفع وحدات حماية الشعب لتأسيس نموذج حكم جديد في الرقة، وتوفير التخطيط والموارد لجعله ممكناً

إذا مضت الحملة التي تقودها وحدات حماية الشعب على الرقة قدماً، فإن ازدياداً كبيراً في انخراط الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحكم سيكون ضرورياً لتخفيف مخاطر التوسع المفرط المذكورة أعلاه. باستخدامها للدعم المشروط "لتحقيق الاستقرار" في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي، على الولايات المتحدة أن تضغط عليهما للقيام بما يلي:

تغيير صورة الحكم المحلي، بداية بالرقة وربما امتداداً إلى مناطق ذات أغلبية عربية أخرى واقعة تحت سيطرة الوحدات. رمزياً، ينبغي أن تضع حداً لتعليق صور أوجلان ورفع أعلامها. الأكثر أهمية، ينبغي أن تعيد هيكلة هيئات الحكم المحلي، وأن تغير أسماءها وتجعلها أكثر تبسيطاً، وأن تضمن أن يكون المسؤولون المحليون الكبار الرمزيون أكثر اقتداراً ومصداقية وأكثر قدرة على إظهار القيمة المضافة من نظرائهم في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب. في الرقة، ينبغي أن يتجنب الحكم إعطاء انطباع، سائد في أماكن أخرى، بأن وراء كل شخصية عربية رمزية تجلس كوادر دربها حزب العمال الكردستاني تحتكر السلطة الحقيقية من خلال ارتباطات كردية محلية موثوقة.

أن يعهد بالأمن في الرقة لقوات محلية يدربها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ينبغي أن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً في هذا التدريب، اعترافاً بالدور الجوهري الذي ستلعبه قوات أمن فعالة وذات مصداقية ومتجذرة محلياً في منع عودة الخلايا الجهادية إلى الظهور. ينبغي أن توضح الولايات المتحدة أن هذا الجهد يهدف إلى تشكيل قوة أمنية تعكس التركيبة الاجتماعية في الرقة إلى أكبر درجة ممكنة، وأنها قادرة على العمل بشكل مستقل عن الأسايش التي تقودها كوادر حزب العمال الكردستاني. إن تحقيق التقدم نحو تلك الغاية سيساعد على تحقيق المشاركة المحلية في حكم ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية ومن شأنه أن يبعث بإشارة إلى تركيا وإلى السوريين المتشككين على حد سواء بأن سيطرة قوات سورية الديمقراطية على الأرض لم تعد تعني وصول حكم الحزب الواحد بقيادة وحدات حماية الشعب ـ حزب الاتحاد الديمقراطي. إضافة إلى تصميم هيكليات قيادية بعناية، من الجوهري أيضاً وجود مفهوم قابل للحياة لتأمين التمويل المستقبلي لهذه القوات. إذا تركت قوات الأمن ــ أو أي مكونات غير وحدات حماية الشعب في قوات سورية الديمقراطية ــ لتمول نفسها محلياً، فإن الصراع على مصادر الدخل من شأنه أن يلحق الضرر بمصداقيتها ويؤدي إلى العنف، ما سيوفر فرصاً يستغلها المتطرفون.

3. Develop a new coalition of forces for Deir al-Zour

  1. تطوير تحالف جديد من القوى لدير الزور

بالنظر إلى تكاليف ومخاطر محاولة السيطرة على محافظة دير الزور بقوة تقودها وحدات حماية الشعب حصرياً، على الولايات المتحدة أن تتحرك الآن لتحضير البديل. كانت إحدى الأفكار التي طرحت في واشنطن تتمثل في العمل مع السعودية ودول عربية أخرى لإدماج قواتها في فصائل المعارضة، وبالتالي تعزيز قدراتها. سيكون ذلك إشكالياً. بصرف النظر عن المسائل المتعلقة بفعالية مثل تلك القوات العربية (التي يغرق بعضها أصلاً في مستنقع اليمن) وفعالية فصائل المعارضة، فإن أي تدخل من هذا النوع في سورية من المرجح أن يرفع من مخاطرة اتخاذ النظام وإيران وربما روسيا إجراءات لتقويض ما سيعتبرونه هجوماً معادياً.

خيار أفضل هو أن تسعى الولايات المتحدة لجمع وتقسيم المسؤوليات بين قوات المعارضة الموجودة حالياً في الجنوب الشرقي والعناصر العربية في قوات سورية الديمقراطية. يمكن لهذه القوة المشتركة أن تعمل تحت راية جديدة (أي ليست راية قوات سورية الديمقراطية) وأن تقودها وتنظمها الولايات المتحدة. يمكن لقوات وحدات حماية الشعب أن تلعب دوراً داعماً مهماً، كالدور الذي تلعبه البشمركة الكردية في معركة الموصل في العراق؛ لكنها لا ينبغي أن تقود الهجوم ولا أن تكون مسؤولة عن الحكم بعد السيطرة على المدينة، والذي ينبغي أن يتطور بشكل منفصل عن الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب ـ حزب الاتحاد الديمقراطي.

يمكن لهذا الخيار أن ينطوي على استثمار أكبر من قبل واشنطن ودور أعمق مما لعبته الولايات المتحدة ــ أو أشارت إلى استعدادها للعبه ــ حتى الآن. على فرض احتفاظ قوات النظام بموطئ قدم في دير الزور، فإن ذلك سيتطلب انخراط الولايات المتحدة مع موسكو لتجنب وقوع معركة بين النظام وفصائل المعارضة تلحق الضرر بالطرفين وتكون نتيجتها لصالح تنظيم الدولة الإسلامية. إن أياً من هذا لن يكون سهلاً. لكن بين جملة من الخيارات السيئة، يمكن القول إن هذا الخيار هو الأفضل، والأقل خطورة والأكثر استدامة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة الواقعة بين مدينة دير الزور والحدود العراقية.

شمال سورية/شمال العراق/بروكسل، 28 نيسان/أبريل 2017

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.