التحديث رقم 3 لمجموعة الأزمات بشأن ليبيا
التحديث رقم 3 لمجموعة الأزمات بشأن ليبيا
Participants attend the Libyan Political Dialogue Forum in Tunis, on 9 November 2020. REUTERS / Zoubeir Souissi
Briefing Note / Middle East & North Africa 9 minutes

التحديث رقم 3 لمجموعة الأزمات بشأن ليبيا

تقدم ملاحظة الإحاطة هذه أحدث التحليلات لمحاولات إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا منذ ما يقارب عقد من الزمن من خلال مباحثات تتركز على إعادة توحيد الحكومة والاقتصاد القائم على النفط وقوات الأمن في البلاد، وهي الملاحظة الثالثة في سلسلة من التحديثات المنتظمة.

تقدم هش نحو حكومة وحدة وطنية في ليبيا

رغم ما ذكر عن تحقيق اختراق في أواسط كانون الثاني/يناير، لا يزال هناك العديد من الخطوات التي ينبغي اتخاذها قبل أن تتمكن حكومة وحدة وطنية مؤقتة من التشكل في ليبيا. البلاد منقسمة إلى قسمين، وبين حكومتين متوازيتين وتحالفين عسكريين في حالة حرب متقطعة منذ عام 2014. اتفق المشاركون في المنتدى الذي يضم 75 عضواً والذي أنشأته الأمم المتحدة لجمع الطرفين معاً على آلية تصويت داخلية لتعيين كبار المسؤولين. إلا أن عملية التصويت المعقدة من شأنها بسهولة أن تثير المزيد من النزاعات. علاوة على ذلك، فإن الفصائل الليبية المتخاصمة مختلفة حول من ينبغي أن يقود البلاد ولا يتعدى حديثها عن الشفافية في عملية الاقتراع المحسنات اللفظية وحسب. ولدى هذه الفصائل الوسائل السياسية، والعسكرية والمالية لتعطيل عملية الاقتراع أو رفض نتيجتها.

الأمم المتحدة مستمرة في رعايتها للمحادثات السياسية بين الفصائل الليبية

لقد ولّد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين التحالفين العسكريين المتحاربين في ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر 2020 زخماً في المحادثات السياسية المدعومة من الأمم المتحدة، والتي يفترض أن تفضي إلى تعيين حكومة وحدة وطنية مؤقتة، لكن التقدم كان بطيئاً حتى الآن. في تشرين الثاني/نوفمبر، عقدت الأمم المتحدة منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس العاصمة، فجمعت 75 موفداً من المجلسين التشريعيين المتخاصمين في البلاد إضافة إلى بعض المستقلين الذين اختارتهم. في الجولة الأولى من المفاوضات، اتفق الموفدون من حيث المبدأ على الحاجة إلى وجود سلطة تنفيذية تتكون من مجلس رئاسي يضم ثلاث شخصيات ورئيس وزراء يعيَّن بشكل منفصل ويكلَّف بقيادة البلاد حتى إجراء الانتخابات الوطنية في أواخر عام 2021. وكان من المزمع أن تحل هذه السلطة التنفيذية محل حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها ورئيس الوزراء فايز السراج (الذي يرأس أيضاً المجلس الرئاسي)، والحكومة التي تتنافس معها والموجودة في المنطقة الشرقية، والتي دعمت في أحدث الصراعات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر. لكن الموفدين فشلوا في الاجتماعات اللاحقة طوال كانون الأول/ديسمبر في الاتفاق على الآلية اللازمة للاقتراع على شغل المناصب العليا. ووصلت المحادثات إلى طريق مسدود.

في محاولة أخيرة لبناء الإجماع على آلية للتصويت، عقدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالوكالة، ستيفاني ويليامز، اجتماعاً لمجموعة أصغر من الموفدين تتكون من ثمانية عشر شخصاً، سُميت اللجنة الاستشارية، في جنيف في الفترة الواقعة بين 13 و16 كانون الثاني/يناير. في الجلسة الافتتاحية للاجتماع، أوضحت ويليامز أنها ترى أن دور الأمم المتحدة يتمثل في إنشاء آلية، وليس المساعدة في اختيار قادة بعينهم. وقالت: "لن نناقش أسماء المرشحين للمناصب القيادية في السلطة التنفيذية الموحدة، ولن أقبل بأن تلعب بعثة الأمم المتحدة أي دور في تسمية أعضاء السلطة التنفيذية كما يروج البعض". وقد عكست كلماتها جوهر المقاربة الكلية التي تتبعها حيال المفاوضات السياسية في ليبيا: ينبغي على الأمم المتحدة أن تساعد الليبيين على الاتفاق على العملية، لا أن تصبح أداة للترويج لدفع أفراد معينين إلى المناصب العليا. وهذه المقاربة مختلفة بشكل لافت عن المقاربة التي اتبعها مبعوثون سابقون للأمم المتحدة، شاركوا في اختيار القادة السياسيين الذين يخدمون الآن في المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني.

على ماذا اتفق الطرفان؟

في اليوم الثالث من اجتماع جنيف، قبلت اللجنة الاستشارية ترتيباً اقترحته الأمم المتحدة للتصويت يجمع مقترحين منفصلين؛ أي آلية قائمة على المناطق وأخرى قائمة على قوائم موضوعة مسبقاً. وصفت وليامز هذه المقاربة بأنها "أفضل تسوية يمكن التوصل إليها، لأن هذا المقترح يحترم البعد المناطقي [في ليبيا]، ويشجع الناس فعلاً على تجاوز انقساماتهم ومناطقهم من أجل تعزيز التفاهم وبناء الوحدة في البلاد". نقلت اللجنة الاستشارية المقترح إلى المجموعة الكاملة المكونة من 75 موفداً، وتم الاتفاق على أن المقترح سيعد مقبولاً إذا قبله 63% من أفراد المنتدى المقترعين. رغم أن بعض أعضاء المنتدى رفض الصيغة، إلا أن المقترح مر بسهولة في تصويت أجري في يومي 18 و19 كانون الثاني/يناير.

تنص الآلية المقترحة على تقسيم أعضاء المنتدى الـ 75 إلى ثلاث مكونات انتخابية استناداً إلى أقاليم ليبيا التاريخية الثلاثة (طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب)، وتنتخب كل مجموعة ممثل إقليمها في المجلس الرئاسي. وللفوز في مقعد في المجلس، ينبغي أن يحصل المرشح على مصادقة ما لا يقل عن 70% من أصوات المجموعة الفرعية الإقليمية. وعلى نحو منفصل، ينتخب أعضاء المنتدى الخمسة والسبعين رئيس الوزراء، الذي ينبغي أن يحصل على ما لا يقل عن 70% من أصواتهم في جلسة موسعة.

إذا فشل هذا الإجراء لأي سبب من الأسباب، يتم اللجوء إلى نظام احتياطي يستند إلى القوائم. هنا، يصوت أعضاء المنتدى على قوائم تحدد المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وثلاثة أعضاء في المجلس الرئاسي. وتُطرح كل قائمة على التصويت في جلسة موسعة إذا أقرها 17 عضواً على الأقل من أعضاء المنتدى (ثمانية من الغرب، وستة من الشرق وثلاثة من الجنوب). وهذه المعايير تعني أنه يمكن تقديم أربع قوائم كحد أقصى للاقتراع النهائي. وإذا فازت إحدى القوائم بـ 60% من إجمالي الأصوات في الجولة الأولى، يتم تشكيل سلطة تنفيذية جديدة على ذلك الأساس. وإذا لم تتمكن أي قائمة من تجاوز تلك العتبة، فإن القائمتين اللتين فازتا بأكبر عدد من الأصوات تدخلان جولة إعادة، تفوز فيها القائمة التي تحصل على أكثر من 50% من الأصوات.

يعتقد السياسيون والمحللون السياسيون الليبيون أن هذا الإجراء الهجين حافل بالمطبات. على سبيل المثال، إذا انتخب موفدون من أحد الأقاليم ممثلهم في المجلس الرئاسي، بينما لم تفعل المجموعات الإقليمية الأخرى الشيء نفسه، ستتطلب العملية أن يكون الفائز في الإقليم الأول هو مرشح جميع القوائم المقدمة في المرحلة الثانية من الاختيار. ويقول منتقدو هذه العملية إن هذه القاعدة تتعارض مع الفكرة الكامنة وراء المقاربة القائمة على القوائم، وهي أن يكون هناك مجموعة من المرشحين مستعدين للعمل معاً، بدلاً من أن يكون هناك تشكيلة عشوائية من المرشحين. ومن المتوقع ظهور اعتراضات في مختلف جولات الاقتراع، خصوصاً إذا لم تنتج هذه الجولات الحصيلة التي يبتغيها هذا الفصيل أو ذاك.

حقيقة غير مريحة

لا شك أن التوصل إلى آلية اقتراع تشكل خطوة إلى الأمام في عملية السلام، وكذلك تمكين القوى السياسية الليبية الفاعلة من انتخاب كبار ممثلي البلاد. إلا أن تركيز الأمم المتحدة على العملية الإجرائية يتجاهل حقيقة غير مريحة؛ وينطبق الأمر نفسه على الدعم المعلن الذي يعبر عنه الليبيون للعملية. هذا لأن معظم المعنيين الليبيين، وكذلك العديد من الدبلوماسيين الأجانب، غير مهتمين حقيقة بكيفية اختيار كبار المسؤولين. ما يتجادل عليه الموفدون الليبيون ويختصمون من أجله هو فعلياً مسألة من ينبغي أن يستلم زمام الأمور في البلاد؛ ومن الصعب رؤية تشكل إجماع حول هذه النقطة.

على مدى أشهر، سعى المعنيون السياسيون الليبيون والموفدون إلى المنتدى لتأمين المناصب العليا في الحكومة القادمة للمرشحين السياسيين الذين يفضلونهم. وقد حاولوا ضمان أن يكون المرشحون الذين يحشدون الدعم من أجلهم مناسبين للتشكيلة المتنوعة من المصالح السياسية وميزان القوى بين الأقاليم التاريخية الثلاثة في ليبيا. الافتراض الذي يحمله كثير من الليبيين هو أنه إذا ذهب منصب رئيس الوزراء لشخصية من غرب ليبيا، فإن المجلس الرئاسي ينبغي أن يرأسه شخص من الشرق، أو العكس بالعكس، بينما يمكن للجنوب أن يحصل على رئاسة البرلمان. (هذا الموقف ليس جزءاً من النقاشات حتى الآن).

وثمة أفكار كثيرة حول من ينبغي أن يشغل المناصب العليا، لكنهم ينتظمون بشكل عام في أربعة تصنيفات رئيسية. المعسكر الأول يرغب برؤية رئيس البرلمان الذي يتخذ من طبرق مقراً له، عقيلة صالح، رئيساً للمجلس الرئاسي ووزير الداخلية في حكومة طرابلس، فتحي باشاغا، رئيساً للوزراء. ويجادل أنصار هذا الخيار بأن اختيار صالح سيضمن دعم برلمان طبرق وراعيته مصر للاتفاق. في هذه الأثناء، فإن باشاغا سيطمئن سكان غرب ليبيا المعارضين لحفتر ويحوز على رضا داعمتهم تركيا. فقد كان باشاغا الأداة الرئيسية لتدخل أنقرة العسكري في مطلع عام 2020، والذي ساعد حكومة طرابلس على صد هجوم حفتر على العاصمة. في المراحل المتأخرة من الحرب التي قادها حفتر، تبنى صالح موقفاً أكثر تصالحية حيال خصومه في طرابلس وساعد في تمهيد الطريق لوقف الأعمال القتالية. ولذلك فإن هذا المعسكر يأمل بأن تسليم زمام الأمور لتحالف صالح – باشاغا سيسرع في وضع نهاية لتطلعات حفتر السياسية.

مجموعة ثانية تعتقد أن دعم حفتر حيوي لأي اتفاق سياسي. ويدفع هؤلاء لاختيار رئيس للوزراء من صفوف التحالف الموالي لطرابلس يكون مقبولاً للتحالف الذي يقوده حفتر. ويعتقدون أن أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، مرشح مناسب. يتمتع معيتيق، وهو شخصية براغماتية قريبة من أوساط الأعمال بعلاقات جيدة مع روما، والقاهرة وموسكو. وهو الذي أمن دعم الجيش الوطني الليبي بعد اتفاق توصل إليه في أيلول/سبتمبر 2020 مع خصومه في طبرق لرفع الحصار النفطي الذي فرضه لمدة تسعة أشهر. كما أنه يروج لعقد اجتماعات بين مسؤولين من الحكومتين المتخاصمتين لتسوية النزاعات المالية العالقة. إلا أنه يعتبر شخصاً مثيراً للانقسام في مدينته مصراتة، حيث ينظر إليه المتشددون المعادون لحفتر على أنه انتهازي. مرشح محتمل آخر هو فضيل الأمين من طرابلس، وهو شخصية تكنوقراطية دعمت تشكيل حكومة الوفاق الوطني في عام 2015. وينظر إلى الأمين عادة على أنه مقرب من واشنطن، وبالتالي فإن المسؤولين الموالين لحفتر يعتقدون أنهم بدعمهم له يستطيعون إغراء الولايات المتحدة بأن تكون أكثر انخراطاً في الملف الليبي.

مجموعة ثالثة تريد أن يبقى السراج رئيساً للمجلس الرئاسي. ووفقاً لدبلوماسيين غربيين وعدد من الليبيين المحيطين به، فإن السراج يسعده البقاء في السلطة. وهذا عكس ما عبر عنه سابقاً؛ ففي تشرين الأول/أكتوبر، أعلن أنه يعتزم الاستقالة. ومن المحتمل أن تكون المجموعات المسلحة العاملة في طرابلس قد ضغطت عليه من أجل البقاء أو أنه غيّر رأيه لأنه يريد منع صعود أحد خصومه السياسيين. وبالنظر إلى أن السراج من غرب ليبيا، فإن داعمي هذا الخيار يدعون إلى أن يصبح شخص من شرق ليبيا رئيساً للوزراء.

وقد تم طرح نحو عشرة أسماء لمنصب رئيس الوزراء، إلا أن مسؤولين غربيين يقولون إن السراج لم يعزز علاقاته مع أي منهم. بعض الأسماء المطروحة هم أعضاء في حكومة طرابلس، مثل وزير المالية فرج بومطاري أو وزير العدل محمد لملوم، وهو من الشرق ومن المرجح أن تدعمه الفصائل الشرقية. أسماء أخرى من بنغازي طرحت إما بسبب علاقاتها الوثيقة مع الجيش الوطني الليبي، مثل رئيس بلدية بنغازي السابق عبد الرحمن العبَّار أو رجل الأعمال محمد الكيخيا، أو لأنهم أعضاء في حكومة طبرق.

من غير الواضح ما إذا كان السراج مستعداً للدفع باتجاه هذه الحصيلة كجزء من حوار سياسي تقوده الأمم المتحدة. مسؤولو المنظمة يقولون إن السراج حاول إقناع الليبيين في منتدى تونس بالموافقة على إجراء تعديل للمجلس الرئاسي، بحيث يظل هو رئيساً له، ويتم تعيين رئيس وزراء جديد. لكن حتى حلفاء السراج في المنتدى رفضوا ذلك الخيار. إلا أن ثمة تكهنات على نطاق واسع في أوساط الدبلوماسيين الغربيين والسياسيين الليبيين أن السراج قد يستخدم صلاحياته لتعيين رئيس وزراء في محاولة لوقف الحوار المدعوم من الأمم المتحدة. ومن غير الواضح كيف سترد العواصم الغربية والعربية على مثل ذلك التحرك.

أخيراً هناك أولئك الذين لا يرغبون بتشكُّل أي حكومة مؤقتة، اعتقاداً منهم أن مثل تلك الحكومة ستؤخر الانتخابات المزمع إجراؤها عند نهاية العام. أحد هؤلاء الأشخاص هو عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة الذي يتخذ من طرابلس مقراً له، والذي يتمتع بنفوذ كبير داخل وخارج المنتدى على حد سواء.

وتشير كل العلامات إلى احتمال لجوء الفصائل السياسية المتناحرة إلى طيف من التكتيكات المعطلة لإحباط ما تعتبره هذه المجموعة أو تلك حصيلة لغير صالحها، كما فعلت عدة مجموعات في الماضي. وتتراوح الأدوات المتاحة بين ممارسة النفوذ وتحصين الوضع الراهن (على سبيل المثال، بإجراء تعيينات في اللحظة الأخيرة أو بالتحريض على ما يُزعم أنه افتقار المنتدى المدعوم من الأمم المتحدة إلى التمثيل) وتعبئة المجموعات المسلحة لإثارة أعمال قتالية من شأنها أن توقف زخم المحادثات. كما لا يمكن استبعاد تقديم رشى أو حوافز مالية أخرى للمشاركين في الحوار أو للمرتبطين بهم. غير أن من المؤكد أن فشل الحوار السياسي ليس ما تحتاجه ليبيا، لكن مثل ذلك الفشل ما يزال ممكنا وخطيراً.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.