روسيا: قائد مرغم في الحرب السورية
روسيا: قائد مرغم في الحرب السورية
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

روسيا: قائد مرغم في الحرب السورية

في الوقت الذي نشهد فيه مذبحة أخرى للمدنيين في جزء آخر من سورية – في الغوطة الشرقية مؤخراً – يبدو أن البلاد تدخل المرحلة الأخيرة من المواجهة بين النظام وطيف من مجموعات المعارضة المسلحة.

لكن ثمة معارك جديدة تنتظر؛ حيث تتحول سورية على نحو متزايد إلى ميدان معركة لحروب أطراف خارجية: في الجنوب بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران؛ وفي الشمال بين تركيا ومجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني؛ وفي الشرق ثمة احتمال لنشوب مواجهات بين إيران والولايات المتحدة. بدلاً من وضع حد لمعاناة السكان بعد سنوات من القتال الذي لا يرحم، فإن هذه الصراعات تتوسع وتضيف طبقة خطيرة من شأنها أن تؤدي إلى اشتعال حريق إقليمي.

في قلب مسار التدويل الذي لا يمكن إيقافه للحرب السورية يقع الاختلاف الجوهري بين الولايات المتحدة وروسيا على مصير النظام. لقد بنت روسيا، التي لها مصلحة استراتيجية طاغية في سورية مقارنة بالولايات المتحدة، على نجاح تدخلها العسكري في أيلول/سبتمبر 2015 لكي تتفوق على خصمها. وهكذا تقلص دور الولايات المتحدة فعلياً إلى متفرج غير قادر على تشكيل مسار الأحداث.

في قلب مسار التدويل الذي لا يمكن إيقافه للحرب السورية يقع الاختلاف الجوهري بين الولايات المتحدة وروسيا على مصير النظام.

لكن بدلاً من ملء الفراغ، فقد اكتفت روسيا بالتصرف كما لو أنها هي نفسها مجرد مراقب. لقد مكنت روسيا حليفها من المضي في مساره الإجرامي لاستعادة المناطق التي خسرها للمعارضة المسلحة، وبعضها يوازيه إجراماً من حيث النية لكنه يفتقر إلى قوة نيران ودعم خارجي يساويان ما يتمتع به النظام. لم تظهر موسكو شهية لمنع الأطراف الأخرى من نقل معاركها إلى المسرح السوري.

شاهدُنا على ذلك تبادل الأعمال العدائية بين إسرائيل والنظام وداعميه في مطلع هذا الشهر، عندما تم إسقاط ما زعم أنه طائرة مسيّرة إيرانية عندما دخلت المجال الجوي الإسرائيلي. (وأقول "زعم" لأنه لم يجر تحقيق مستقل فيما حدث.) ردت القوات الجوية الإسرائيلية فدمرت ما يبدو أنه مركز إطلاق الطائرة والتحكم بها. ثم أطلقت المضادات الجوية السورية نيرانها على الطائرات الإسرائيلية وتمكنت من إسقاط واحدة؛ قامت عندها إسرائيل بمهاجمة الدفاعات الجوية السورية، وادعت أنها دمرت نصفها. ذكر أن التصعيد المتبادل توقف بناء على مكالمة هاتفية من فلاديمير بوتين إلى بنيامين نتنياهو، ما سمح لجميع الأطراف بإعلان النصر ("نحن أسقطنا طائرة إسرائيلية!"؛ "نحن دمرنا نصف الدفاعات الجوية السورية!")؛ ومن ثم انكفأت للعق جراحها.

التدخل الروسي أتى متأخراً، ربما مباشرة قبل أن ينشأ تصعيد آخر كان سيتبين أن من الصعب احتواءه. أبرزت هذه الأحداث الحقيقة المحرجة وهي أن موسكو بالفعل في مقعد السائق في سورية لكنها تحجم عن الانطلاق بالسيارة. إنها ترى تراجع الولايات المتحدة على المسرح العالمي لكنها إما غير راغبة أو غير قادرة على ارتداء عباءة الحكَم الفصل.

إلا أنه قد لا يكون أمام روسيا خيار سوى أن تفرض نفسها بشكل أوضح، على الأقل إذا كانت ترغب بالمحافظة على مكاسبها، أي بقاء نظام الأسد واحتمال إحلال السلام في سورية التي سيتحقق فيها الاستقرار بفضل أموال إعادة الإعمار التي ستقدمها الدول الغربية التي قد يترتب عليها القبول بمثل تلك الحصيلة، خشية إدامة الصراع واستمرار تدفق اللاجئين نحو أوروبا.

إلا أن إحجام هذا الوريث للسلطة في المنطقة عن فعل أكثر من القيام بتدخلات هاتفية في اللحظة الأخيرة يطرح مخاطرة نشوب حرب أوسع نتيجة سوء التواصل بين الأطراف أو سوء قراءة نوايا بعضهم بعضاً. يمكن التخفيف من وقع مثل هذه الحصيلة إذا أبقى الأعداء على قنوات تواصل، على الأقل على شكل خط ساخن.

ولأن لا إسرائيل ولا إيران/حزب الله يميلان إلى التحدث إلى بعضهما بعضاً، فإن العبء يقع نظرياً على روسيا، التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، باستخدام قنواتها للمساعدة على التوصل إلى فهم بين الخصوم لتصورات كل منهم عن التهديدات التي يشكلها الطرف الآخر وعن الخطوط الحمر لكل من هذه الأطراف.

تبدو إسرائيل عازمة على تصعيد ردودها العسكرية على اختبارات إيران/حزب الله كي تحث موسكو على أن تصبح أكثر مبادرة لكبح جماح حلفائها في سورية.

طالما ظلت موسكو تتحاشى اتباع مقاربة تنطوي على قدر من المبادرة، فإن كل طرف سيلجأ إلى الوسائل العسكرية لاستيضاح ما يمكن لخصمه أن يتحمله، وبالتالي ترسيخ قواعد اللعبة. لكن هذه لعبة خطرة ستستخدم فيها الأسلحة دقيقة التصويب والتكنولوجيا التي تجعل من التعقب أمراً صعباً، ويترتب فيها اتخاذ قرارات خلال جزء من الثانية، إضافة إلى النزعة البشرية لتبني تفسيرات مغلوطة وإصدار أحكام خاطئة.

ما سبب سلبية موسكو؟

يخمن البعض أنه في حين أن لروسيا مصلحة في تجنب حرب شاملة، فإنها تعتقد أن الأطراف نفسها لا تريد مثل هذه الحرب، ولذلك فإن بوسعها الاكتفاء بالتدخل فقط عندما يبدو أن الأمور ستخرج عن نطاق السيطرة، وتترك إسرائيل وإيران لإدماء بعضهما بعضاً في هذه الأثناء. من المؤكد أن روسيا لم تمنع لا الطائرة المسيّرة الإيرانية ولا الطائرات الإسرائيلية من التقاطع في الأجواء السورية.

آخرون يقولون إن موسكو تفتقر إلى القدرة أو الثقة بالنفس لتصبح أكثر فعالية – وأن الصورة التي تظهرها موسكو على أنها المسيطرة في سورية هي مجرد خدعة، وهي خدعة تفضل ألا يطلب منها أحد أن يختبرها.

في كل الأحوال، تبدو إسرائيل عازمة على تصعيد ردودها العسكرية على اختبارات إيران/حزب الله كي تحث موسكو على أن تصبح أكثر مبادرة لكبح جماح حلفائها في سورية.

وهكذا فإن السائق الروسي يجلس في سيارته غير قادر على الحركة، سواء بسبب افتقاره للإرادة، أو القوة، أو الثقة. لكنه سيدرك سريعاً بأنه لن يستطيع تحمل نتائج عدم تعشيق علبة السرعة والانطلاق.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.